طالبت منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة، اليوم الخميس، بمحاكمة وملاحقة مؤسسة "غزة الإنسانية"، وهي مؤسسة أميركية تنشط في القطاع تحت غطاء العمل الإغاثي، متهمة إياها بالتورط في جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتوفير غطاء لجيش الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة عدوانه الكارثي على القطاع المحاصر.
وقالت المنظمات، في بيان صحفي شديد اللهجة، إن المؤسسة التي تُقدَّم كجهة مانحة للمساعدات، لعبت دورًا فاعلًا في عمليات قتل وتهجير جماعي، وارتكبت جرائم مروعة بحق المدنيين، مشيرة إلى أن أكثر من 1500 فلسطيني من طالبي المساعدات قضوا نحبهم بفعل الاستهداف المباشر في مراكز توزيع الغذاء التابعة للمؤسسة، التي وصفتها بـ"معسكرات موت واحتجاز".
وأضاف البيان أن ممارسات المؤسسة تُشكل جزءًا من مخطط أوسع يهدف إلى التهجير القسري والتطهير العرقي للفلسطينيين باستخدام أدوات إنسانية مغشوشة، أبرزها سياسة التجويع، التي باتت أحد أفظع وسائل الحرب النفسية والبدنية على شعب يعيش تحت الحصار والقصف منذ شهور.
"المراكز الإغاثية" تحولت إلى ساحة إذلال وقتل
ووفق شهادات وثقتها منظمات المجتمع المدني، تحولت نقاط توزيع المساعدات التابعة لـ"غزة الإنسانية" إلى بؤر للعنف، حيث تُمارَس فيها سياسات إذلال يومية بحق الجوعى من نساء وأطفال وشيوخ.
وأكدت المنظمات أن مشاهد السحل والركل واستخدام القوة المفرطة باتت نمطًا معتادًا، وسط غياب أي رقابة دولية أو مساءلة حقيقية.
وأشار البيان إلى أن فرق الأمن التي تحمي تلك النقاط تستخدم الرصاص المطاطي والحي، والعصي الكهربائية، لتفريق الحشود، مما حول المساعدات الإنسانية إلى "فخ دموي" يسقط فيه الجائعون بين قتيل وجريح.
وطالبت المنظمات بفتح تحقيقات شفافة من قبل مؤسسات قانونية دولية مستقلة، لملاحقة القائمين على المؤسسة وكل من يثبت تورطه في الانتهاكات، معتبرة أن استمرار صمت المجتمع الدولي يمثل تواطؤًا صريحًا مع مشروع الإبادة الجماعية الجارية.
"إسرائيل" تضلّل العالم.. ومجاعة متصاعدة تحصد أرواح الرضع
في سياق متصل، أطلقت منظمات المجتمع المدني تحذيرًا شديدًا من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، واتهمت الاحتلال الإسرائيلي بتضليل المجتمع الدولي عبر استعراض دعائي لدخول المساعدات، في وقت تمنع فيه فعليًا وصولها إلى المناطق المنكوبة.
وأشارت إلى أن الشاحنات التي يُسمح لها بالدخول تُحصر في مناطق محددة وصفتها بـ"الحمراء"، وهي مناطق مكشوفة وخطيرة تتعرض لإطلاق نار مباشر من قوات الاحتلال، باستخدام دبابات وقناصة وأسلحة رشاشة ذاتية التوجيه، مما يجعل الوصول إلى المساعدات عملية محفوفة بالموت.
كما أكدت أن الاحتلال يتعمد تعطيل وصول المساعدات إلى مستودعات المؤسسات الدولية، في محاولة فجة لإظهار التزام زائف بالقانون الدولي، بينما يواصل تنفيذ سياسات تجويع جماعي منهجية تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين.
وكشفت المنظمات في بيانها أن العشرات من الأطفال حديثي الولادة فارقوا الحياة مؤخرًا بسبب نفاد الحليب العلاجي والمكملات الغذائية، في حين يتهدد المصير ذاته مئات الأطفال الآخرين. ودعت إلى تخصيص يوم كامل بشكل عاجل لإدخال هذا النوع من الحليب عبر المعابر، قبل أن تتحول المجاعة إلى مقبرة جماعية جديدة.
إبادة مستمرة وتجاهل دولي
منذ السابع من أكتوبر 2023، تُنفّذ إسرائيل – بدعم أميركي واضح ، وخوف وصمت عربي– واحدة من أشرس عمليات الإبادة الجماعية في العصر الحديث، مستهدفة المدنيين في غزة بالقصف والتجويع والتهجير والتدمير الممنهج، وسط تجاهل تام للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية.
وقد أسفرت هذه الإبادة عن أكثر من 206 آلاف ضحية بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين الذين فقدوا المأوى والمأكل والماء، فضلًا عن دمار شبه كامل طال البنى التحتية والمراكز الصحية والتعليمية والأحياء السكنية.
وفي ختام تقريرها، دعت منظمات المجتمع المدني في غزة إلى تكاتف دولي عاجل لوقف الجرائم، وتجريم الجهات التي تستغل العمل الإنساني لتسهيل القتل والتهجير، مشددة على أن الوقت ينفد، وأن التقاعس اليوم يعني السماح باستمرار كارثة لا يشبهها شيء في العالم الحديث.