في واحدة من أوسع وأجرأ تحركات إعادة هيكلة جهاز الشرطة بوزارة الداخلية خلال الأعوام الأخيرة، صدّق وزير الداخلية بحكومة السيسي، اللواء محمود توفيق، أمس السبت، على حركة ترقيات وتنقلات ضباط الشرطة لعام 2025، وذلك بعد عرضها على قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
الحركة الجديدة جاءت استثنائية وموسعة، محمّلة بمفاجآت بارزة، إذ شملت إبعاد قيادات كبيرة من مواقع حساسة في مؤسسات أمنية رئيسية، أبرزها قطاعا "الأمن الوطني" و"الأمن العام". كما طاولت التغييرات عددًا من مديريات الأمن الكبرى، في مقدمتها مديرية أمن الجيزة، ضمن خطة لتهيئة الجهاز الأمني لمتغيرات المرحلة المقبلة.
وأطاحت الحركة مساعدَ وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني اللواء عادل جعفر، وهو المنصب الأخطر أمنيًا داخل وزارة الداخلية والمسؤول عن ملفات دقيقة تشمل ما يطلق عليه مكافحة الإرهاب والتطرف والأنشطة السياسية ذات الحساسية الخاصة. وقد خلفه نائبه الأول اللواء عاطف عبد العزيز محمد خالد، في خطوة رآها مراقبون "تغييرًا استراتيجيًا" في طبيعة قيادة الجهاز، وتوقيتًا يحمل دلالات سياسية وأمنية واضحة.
ووفق معلومات خاصة فإنّ قرار إطاحة جعفر اتُّخذ في اللحظات الأخيرة قبل صدور الحركة رسميًا واعتمادها من قائد الانقلاب، رغم أن الرجل كان يُعد من أقوى الشخصيات في وزارة الداخلية، ولم يكن هناك ما يشير إلى نية تغييره حتى ساعات قليلة قبل صدور القرار، وفقًا لـ"العربي الجديد".
اقتحام مبنى المعصرة
ورجّحت مصادر أمنية أن القرار جاء على خلفية الجدل الواسع الذي أثاره فيديو متداول لما قيل إنه اقتحام لمكتب الأمن الوطني بقسم المعصرة جنوب القاهرة، رغم نفي وزارة الداخلية لصحة الفيديو واعتباره "مفبركًا". في المقابل، قالت مصادر مطلعة على تقاليد اتخاذ القرار داخل الجهاز الأمني، إن تغيير رئيس جهاز الأمن الوطني عادة ما يجري في اللحظات الأخيرة، وعلى نحوٍ مفاجئ حتى داخل المؤسسة، نظرًا لحساسية المنصب وخطورته البالغة، مشيرة إلى أن إصدار القرار يجري غالبًا بعد انتهاء يوم العمل الرسمي لضمان عنصر المفاجأة ومراعاة للأبعاد الأمنية.
وتساءل الإعلامي سامي كمال الدين على حسابه الشخص بموقع إكس: هل هزّ اقتحام مبنى المعصرة هيبة الجهاز؟ مؤكدًا أن اقتحام مجموعة من الشباب مقر جهاز الأمن الوطني بقسم المعصرة وتسجيل فيديو من داخل الجهاز ليس بالحادثة العادية، ثم أتت بعده التغييرات بإقالة رئيس الأمن الوطني الذي كان مرشحًا لمنصب وزير الداخلية من قبل! فهل الإقالة مجرد حركة تنقلات؟ أم أن هناك أزمة أمنية أُخفيت عن الرأي العام فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير؟!
https://x.com/samykamaleldeen/status/1949210861157142935
ونشر الناشط الحقوقي والسياسي هيثم أبو خليل، على حسابه الشخصي بموقع إكس صورة لحصر المتابعات الشهرية التي يجريها جهاز الأمن الوطني بقسم المعصرة قائلاً: " في شبه دولة واللا دولة.. التعاطف، مجرد التعاطف، جريمة تستوجب المتابعة مع الأمن الوطني والتنكيل بك واعتقالك واعتقال أهلك لسابع جد".
https://x.com/haythamabokhal1/status/1949091297752400264
تضامنًا مع غزة
التغيير المفاجئ في قيادة جهاز الأمن الوطني جاء تزامناً مع تصاعد حملة اعتقالات تستهدف متضامنين مصريين مع قطاع غزة، ومشاركة لافتة لمؤسسات حقوقية في توثيق الانتهاكات بحق نشطاء حاولوا جمع مساعدات إنسانية أو دعوا لفتح معبر رفح المحاصر.
ومن جهتها، نفت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب صحة الفيديو المتداول، الذي قيل إنه يوثق اقتحام شابين لمكتب جهاز الأمن الوطني داخل قسم شرطة المعصرة بحلوان، واحتجاز عدد من ضباطه لعدة ساعات، في خطوة رمزية احتجاجاً على إغلاق معبر رفح.
ووصفت الداخلية الفيديو بـ"الفبركة الإعلامية"، واتهمت جهات محسوبة على جماعة الإخوان بإنتاجه. لكن منظمات حقوقية، على رأسها "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أكدت صحة الفيديو، وذكرت أن الشابين هما محسن محمد مصطفى (معتقل سياسي سابق) وابن خاله أحمد الشريف، وقد سلما نفسيهما طواعية بعد إنهاء ما وصفوه بـ"العملية الرمزية" للفت الانتباه إلى مأساة غزة وقمع المتضامنين معها داخل مصر.
الحقوقي خالد علي، اعتبر أن الواقعة تعكس خللاً داخلياً لا يمكن للنظام إنكاره: سواء كانت فبركة أم حقيقية، فالحقيقة الثابتة أن هناك غضباً متصاعداً في الشارع المصري تجاه الحصار المفروض على غزة، وأن آلة القمع باتت عاجزة عن إخفاء هذا الغضب."
ورأى الناشط الحقوقي أحمد غربية أنه "تمت التضحية برئيس قطاع الأمن الوطني لإغلاق الملف سريعاً. النظام يخشى أن يتطور الحدث إلى موجة احتجاجات، خاصة مع غضب شعبي واسع من حصار غزة."
فشل أمني
ربطت تقارير صحافية حركة التنقلات الواسعة بالداخلية بإعادة توزيع مسؤوليات الأخطاء الأمنية السابقة في محافظات عدة، معتبرين أن الإقالة الموسعة لقيادات أمنية تُظهر اعترافًا ضمنيًا بالفشل في إدارة ملفات الأمن العام.
ورأى خبراء أن وصف حركة التنقلات بأنها "أكبر ترقية وتنقلات منذ سنوات" ينقصه الدقة، فهي ليست إصلاحًا أمنيًا، بل إعادة توزيع نفوذ بين أجنحة داخل جهاز الأمن، دون تغيير حقيقي في أداء النظام الشرطي.
وانتقدت تغريدات على موقع إكس كثافة التنقلات دون نشر معايير الاختيار، مما يثير شكوكًا حول وجود تحكيم مباشر من السلطة التنفيذية في قرارات النقل، ويضع مصداقية الحركة موضع اتهام وعدم شفافية.
بينما سخرت تغريدات على منصات مثل Reddit من أن التغييرات الشرطية والأمنية تؤشر إلى رغبة النظام في ضبط قوى داخل المؤسسة الأمنية نفسها، لا فقط تطويرها، وهي قراءة تتناسب مع مفهوم "انتشار الأجنحة ضمن النظام" وتحويل التنظيم الأمني إلى شبكة معقدة لضبط الولاءات لقائد الانقلاب.