شهدت مدن عالمية خلال الساعات الأخيرة موجةً واسعة من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المنددة بالحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على قطاع غزة، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء سياسة التجويع الممنهجة، التي حصدت أرواح العشرات من الأطفال وهدّدت حياة ملايين السكان المحاصرين.

وما بدا لافتًا في هذا الحراك العالمي، هو خروج مظاهرة غير مسبوقة داخل مدينة تل أبيب نفسها، حيث سار عشرات النشطاء الإسرائيليين نحو مقر وزارة الدفاع، وهم يحملون أكياس دقيق، في رسالة رمزية لرفض سياسة تجويع أطفال غزة، ونددوا بـ"الانتهاك الصارخ للقانون الدولي" المتمثل في الحصار الجماعي، مؤكدين أن الجوع لا يعرف حدودًا ولا هوية، وأن ما يحدث في غزة "عار على الجميع".

 

تضامن دولي واسع.. وصمت عربي مخجل
في المقابل، غابت العواصم العربية، بشكل شبه كامل، عن مشهد التضامن الإنساني العالمي، فلم تُسجَّل أي وقفات احتجاجية شعبية أو رسمية فاعلة في معظم الدول العربية الكبرى، ولا تحرّكت الحكومات لاتخاذ مواقف حقيقية تجاه الكارثة الإنسانية الجارية على حدودها، وتحديدًا في مصر، الدولة المتاخمة للقطاع، والتي تُتهم بإغلاق معبر رفح أمام تدفق المساعدات الإنسانية في العديد من المناسبات.

وفي الوقت الذي تظاهر فيه نشطاء إسرائيليون ضد تجويع أطفال غزة، واحتشد آلاف الأميركيين والفرنسيين والأتراك في العواصم الغربية دعماً لأهالي القطاع، لم يُرصد في القاهرة أو الرياض أو أبو ظبي أو حتى عمّان أيّ حراك يُقارن بحجم الكارثة.

 

واشنطن ونيويورك.. دعم متصاعد لفلسطين
في العاصمة الأميركية واشنطن، نظّم آلاف المحتجين وقفة ضخمة أمام مقر وزارة الخارجية، رافعين شعارات تُندد بالدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار في غزة. فيما شهدت نيويورك وقفة أخرى أمام منزل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حيث طالب المحتجون الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه مأساة غزة، معتبرين أن الصمت الدولي بات "شراكة ضمنية في الجريمة".

 

باريس وتركيا.. مشاهد تضامن مؤثرة
وفي باريس، احتشد مئات المتظاهرين في ساحة "لا ريبوبليك"، رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "أنقذوا غزة" و"لا لتجويع الأطفال".

كما شهدت مدينة شانلي أورفا التركية مظاهرة تضامنية دعا خلالها المشاركون إلى رفع الحصار فورًا وإنقاذ سكان القطاع من المجاعة والعطش، مشددين على أن ما يحدث في غزة هو "جريمة ضد الإنسانية".

 

فلسطينيون ينتفضون في الضفة.. وغضب شعبي متصاعد
من جانبهم، خرج مئات الفلسطينيين في نابلس بالضفة الغربية في مسيرة غاضبة تندد باستمرار الحصار وتندب صمت العالم. ورفع المتظاهرون لافتات تعبّر عن حجم المعاناة في غزة، خاصة بين الأطفال، في ظل النقص الحاد في الغذاء والماء والرعاية الصحية.

التقارير الأممية تؤكد الكارثة.. وغياب الفعل العربي مستمر
وكانت تقارير صادرة عن منظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، قد كشفت عن تفشي المجاعة في قطاع غزة، واستشهاد العشرات من الأطفال نتيجة سوء التغذية الحاد، كما تحدثت عن انهيار شبه كامل للنظام الصحي، ونفاد الأدوية والمواد الأساسية، ما يهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة.

ومع تزايد الضغط الحقوقي والشعبي عالميًا، يتزايد الاستياء من الموقف العربي الرسمي، الذي لا يزال في غالبه رهين بيانات خجولة وتصريحات دبلوماسية جوفاء، بينما يقف العالم على أعتاب كارثة غذائية وصحية في غزة.

 

تل أبيب تُحرج القاهرة؟
خروج مظاهرة داخل تل أبيب احتجاجًا على سياسة التجويع في غزة وضع الحكومة المصرية في موقف محرج للغاية، في ظل استمرار القيود على إدخال المساعدات عبر معبر رفح، وفق ما تؤكده منظمات حقوقية وصحفيون ميدانيون.

ففي الوقت الذي يطالب فيه نشطاء إسرائيليون بفتح الممرات الإنسانية، يلتزم النظام المصري الصمت أو التبرير الأمني، ما أثار موجة سخط شعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوات لفتح المعبر وتسهيل دخول الإغاثة إلى غزة دون شروط سياسية أو أمنية.

وفي الوقت الذي يعبّر فيه الشارع العالمي عن رفضه لتجويع الأطفال الفلسطينيين، يبدو الصمت العربي أشبه بخذلان تاريخي. وبينما تهتف عواصم الغرب من أجل غزة، تقف عواصم العرب مكتوفة الأيدي، مكتفية بالبيانات، ومكبّلة بالتحالفات.

لقد أصبح العار مشتركًا، لكن من المؤسف أن يكون صوت الضمير قادمًا من تل أبيب، بينما يسود الصمت في القاهرة وعمّان والرياض. فهل يستفيق الضمير العربي قبل أن يتحول جوع غزة إلى إبادة جماعية موثّقة بالصمت؟

الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=utg9LkMGQUI

https://www.youtube.com/shorts/QK0Nv2LbPLM