تقدمت ثماني طبيبات من أصل 15 طبيبة، دفعة واحدة، باستقالاتهن من قسم النساء والولادة بمستشفى طنطا الجامعي، في خطوة وصفتها إحداهن بأنها "إفراج من مكان سامّ يسرق الأحلام".
شهادات صادمة من الطبيبات المستقيلات
أربع من الطبيبات المستقيلات أطلقن حملة تدوين على حساباتهن الشخصية بفيسبوك، قدّمن خلالها شهادات صادمة حول ظروف العمل التي دفعتهن لترك حلمهن، وتحدثن عن العمل لـ82 ساعة متواصلة، والعقوبات الجماعية بالنوم على الأرض، والإهانات المتكررة.
النقابة تتحرك
من جانبه، قال نقيب الأطباء، الدكتور أسامة عبد الحي، إن النقابة تتابع عن كثب أزمة الاستقالات الجماعية لنواب قسم النساء والتوليد بجامعة طنطا، مؤكدًا أنها ستتواصل بشكل عاجل مع إدارة كلية طب طنطا لبحث المشكلة وإيجاد حلول جذرية لها.
"خيانة للنفس".. أو انسحاب كرامي؟
قالت الطبيبة رنيم زنطوط، إحدى المستقيلات: "حين يصبح الاستمرار خيانة للنفس، يكون الانسحاب احترامًا لها."
وأكدت أن التجربة التي كانت تأمل أن تكون تعليمية، تحولت إلى استنزاف بدني ونفسي تحت مظلة نظام لا يُنصف ولا يطوّر.
وأضافت أن بيئة العمل كانت بعيدة عن المهنية والدعم، مع "تطبيع مزعج مع الإهانة"، حتى قيل لهن صراحة: "نواب زبالة."
"أُجبرنا على الانهيار الجسدي"
الطبيبة رنين جبر، آخر النائبات المستقيلات، أكدت أن الاستقالات كانت نتيجة سياسة ممنهجة بدأت حين قيل لهن: "وجودكم غير مرحب به. قدموا استقالاتكم وامشوا."
وتضيف: "كانوا يريدون أن يرونا ننهار بدنيًا. أن يصبح المبيت على الأرض قاعدة لا استثناء."
"كنا نأكل ونصلي سرقة"
الطبيبة سارة مطاوع، سابعة المستقيلات، كتبت: "لم يكن قراري سهلاً. حلمت بتعليم متميز وفرصة ماجستير سريع، لكنني كنت أتحمل كل عيوب نيابة الجامعة القاسية بلا مقابل."
وأضافت: "وقتنا كله ملك للقسم، حتى يوم الإجازة ليس من حقنا. نعمل 72 ساعة دون مغادرة القسم. لا مكان آدمي للراحة، لا حمام نظيف، لا وقت للطعام أو الصلاة. كنا نأكل ونصلي سرقة."
شهادات عن ظروف غير آدمية
كشفت الطبيبة رنين جبر أن نوبات العمل امتدت من 48 إلى 72 ساعة، تتبعها "ساعات مرور"، ليصل إجمالي العمل إلى 82 ساعة متواصلة، قائلة: "والله كنا ننام في 82 ساعة أقل من 6 ساعات، على الأرض أو أسرّة الولادة أو الكراسي، لعدم وجود مكان للنوم."
فيما وصفت الطبيبة هايدي هاني مكان النوم بـ"غرفة بها مرتبتان تنام عليهما القطط"، وأكدت أن إحدى الزميلات تعرضت للسرقة أثناء نومها.
"لا حق للاعتراض"
تضيف سارة مطاوع: "لم يكن لنا الحق في الاعتراض حتى على من يكبرنا بشهور، وإلا فالعقاب حاضر.
عقوبات جماعية مهينة
قالت رنين جبر: "مرة عوقبنا جميعًا بالمبيت أسبوعًا كاملًا بالمستشفى، ننام على الأرض، ومُنعنا من الاستحمام."
وأضافت هايدي: "طُلب مني في الرابعة فجرًا إيجاد مكان لمريضة فقيرة في العناية، وقيل لي: اتصرفي."
"نواب بلا قيمة"
أكدت سارة مطاوع أن ما يحدث لا ينطبق على كل الأقسام، وقالت: "في أقسام أخرى، هناك قيمة للنائب. أما في قسمنا، فلا قيمة لنا. أنت تحارب وحدك."
وتساءلت: "كيف يكون لك قيمة ومن يفترض أن يمنحك إياها يحتقرك؟ يعتبروننا عبئًا، وكأننا نأخذ من رزقهم لو صرنا أطباء جيدين."
لا تعليم.. لا ماجستير.. لا كرامة
أجمعت الطبيبات على أن المقابل لهذا "الاستعباد" كان لا شيء.
تقول رنين جبر: "بعد 11 شهرًا، لم أتعلم سوى تعقيم الجلد."
وأضافت هايدي: "حين أردنا التقديم في الماجستير مثل زملائنا، كان الرد: لا، لازم تكملوا 6 شهور، وهو شرط غير قانوني وضعه القسم."
وأجمعت الطبيبات على أن ميزة الماجستير السريع تحولت إلى لعنة.
وقالت رنيم زنطوط: "لقد استقلت لأن لدي طموحًا، وهذه ليست نهاية الحلم، بل بداية جديدة."
النقابة: لا يجوز للطبيب العمل 48 ساعة متواصلة
أكد نقيب الأطباء أن النقابة سبق أن أصدرت ضوابط ملزمة لجميع المستشفيات بشأن ظروف عمل الأطباء، قائلاً: "حذرنا مرارًا من تشغيل الأطباء لساعات طويلة وغير إنسانية. لا يجوز أن يعمل الطبيب 48 ساعة متواصلة تحت أي ظرف. ويجب أن يتبع كل نوبة عمل يوم إجازة كاملة."
وأضاف أن هذه الأزمة ليست جديدة، مشيرًا إلى واقعة مماثلة في كلية طب الإسكندرية قبل 6 أشهر، وأن النقابة شددت وقتها على ضرورة تحسين بيئة العمل وتوفير سكن آدمي للأطباء.