أثار حذف بيان صادر عن الأزهر الشريف، يطالب بإنقاذ سكان غزة من المجاعة والحصار، عاصفة من ردود الفعل الغاضبة، وسط اتهامات للسلطات المصرية بممارسة ضغوط على الإمام الأكبر، الشيخ أحمد الطيب، لإخفاء البيان، الذي وُصف بأنه نداء إنساني يفتقد لأي مضمون سياسي مباشر.
البيان الذي حمل عنوان: "شيخ الأزهر يُطلق نداءً عالميًّا لأصحاب الضمائر الحيّة لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة", اختفى من منصات الأزهر بعد وقت قصير من نشره مساء الثلاثاء، ما أثار تساؤلات عن خلفياته، خاصة مع تأكيد مصادر أن الحذف تم بـ"قرار سيادي"، وليس بقرار من الإمام الطيب.
البيان ركز على المعاناة الإنسانية في غزة، متوجهاً إلى "أحرار العالم" ومنظماته الدولية لإنقاذ أكثر من 2.3 مليون فلسطيني من المجاعة والقتل والحصار، ومؤكداً أن ما يحدث هو "جريمة حرب مكتملة الأركان"، ومندداً بالصمت العربي والدولي.
بيان الأربعاء يزيد الغموض
بعد موجة الجدل، أصدر الأزهر، الأربعاء، بياناً جديداً أكد فيه صحة ما ورد في البيان المحذوف، لكنه كشف أن حذفه جاء بطلب من الحكومة المصرية، بدعوى أن توقيته قد يضر بالمفاوضات الرامية إلى إقرار هدنة إنسانية في غزة.
ورغم ما حمله البيان الثاني من تبريرات، رأى كثيرون أن الموقف يعكس تناقضاً واضحاً، ورضوخاً لضغوط سياسية تتعارض مع رسالة الأزهر التاريخية، وهو ما أشار إليه الخبير الاستراتيجي المصري مراد علي بقوله: "لم أستوعب حجة سحب البيان، فكيف لمنبر ديني أن يبرر الصمت عن مجاعة؟".
ضغوط وتهديدات على الطيب؟
ووسط حديث عن تصاعد الخلافات بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، أشار سياسيون إلى أن حذف البيان جاء نتيجة "ضغوط مباشرة على شيخ الأزهر"، معتبرين أن الأمر تجاوز البعد الإداري ليعكس صراعاً مؤسساتياً قد تكون له تداعيات، خاصة في ظل توتر قديم بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والشيخ الطيب بشأن قضايا دينية حساسة، كخطاب الطلاق وتجديد الفكر الديني.
القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محيي عيسى ذهب أبعد، محذراً من أن الطيب "يتعرض لضغوط قد تصل حد التهديد بالعزل أو التصفية".
"كامب ديفيد" في الخلفية؟
من جانبه، اعتبر المؤرخ والأكاديمي المصري، عاصم الدسوقي، أن حذف البيان يعود إلى تعارضه مع اتفاقية كامب ديفيد، والتي تفرض على مصر موقفاً سياسياً حذراً إزاء سياسات إسرائيل، مشيراً إلى أن "تحييد الأزهر وتراجع دوره التاريخي أمر متوقع في ظل انحسار استقلالية المؤسسة".
غضب شعبي وتصاعد المطالب بكسر الحصار
وتزامن الحذف مع بيانات أخرى صدرت قبل وبعد بيان الأزهر، أبرزها نداء قوي من مجلس عشائر سيناء، دعا فيه النظام المصري إلى فتح معبر رفح فوراً، والسماح بإدخال المساعدات إلى غزة، معلناً استعداده لتأمين القوافل الإغاثية حتى حدود القطاع.
كما أثار بيان الجمعة لقائد كتائب القسام "أبو عبيدة"، الذي وجّه خطاباً مباشراً إلى علماء وقادة العالم الإسلامي بأنهم سيكونون "خصوماً أمام الله"، تصاعداً في الغضب الشعبي والديني، ما زاد الضغوط على المؤسسات الرسمية لاتخاذ موقف واضح.
خسارة الأزهر لصوته الأخلاقي؟
وفي تعليقه، قال المفكر المصري مؤمن الهباء: "بدلاً من أن توظف الحكومة بيان الأزهر كورقة ضغط على إسرائيل، اختارت أن تحذفه، في مشهد لا يعكس حنكة سياسية، بل خنوعاً غير مبرر".
أما الإعلامي محمد السطوحي، فألمح إلى أن الحذف ربما جاء بضغوط من دول عربية مطبّعة، انزعجت من عبارة وردت في البيان تقول: "أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض"، مشيراً إلى أنها تمثّل إدانة مباشرة لمواقفهم المتواطئة.
ضمير غائب في زمن المجاعة
حذف البيان كشف هشاشة موقع الأزهر بين المبادئ الأخلاقية والقرارات السياسية، كما أظهر حجم العجز العربي عن الوقوف بوجه مجازر غزة. وبينما يواجه الفلسطينيون شبح المجاعة والرصاص، تواصل أصوات من داخل مصر، وسيناء، والأزهر، محاولاتها للتشبث بالضمير الإنساني، ولو من خلف ستار رقابة الدولة.