تتكدس آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية في مخازن مدينة العريش ومحيطها بشمال سيناء، بانتظار إذن مصري بالدخول إلى قطاع غزة، في وقتٍ يتضوّر فيه أكثر من مليوني فلسطيني من الجوع والعطش ونقص الدواء.

ومع مرور الوقت، تفسد هذه المساعدات شيئاً فشيئاً، ليشكّل تعفنها رمزاً قاسياً للفشل الدولي في إغاثة المدنيين خلال واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث، في مشهد يكشف مأساة مركبة من الحصار السياسي والجوع القاتل.

 

بين قرار الرفض ونداءات العجز
منذ مايو 2024، أُغلق معبر رفح البري، البوابة الوحيدة التي كانت تربط قطاع غزة بمصر والعالم الخارجي. ورغم الضغوط الدولية والمطالبات المستمرة، بما فيها دعوات عاجلة من 25 دولة مؤخراً لوقف العدوان الإسرائيلي وفتح المعابر، لم تفلح الجهود في كسر القرار الإسرائيلي بإغلاق المعبر ورفضه لأي تنسيقات دولية لإدخال الشاحنات إلى غزة.

مصدر مسؤول في الهلال الأحمر المصري بمحافظة شمال سيناء كشف أنه تلقى إشارات عدة خلال الأسابيع الماضية تفيد بالاستعداد لتحريك القوافل، لكن شيئاً لم يحدث على الأرض، مؤكداً أن الاحتلال يرفض أي تنسيق، سواء من مصر أو من المنظمات الدولية.

 

الطعام يفسد.. والناس تموت جوعاً
المصدر ذاته أشار إلى أن آلاف الأطنان من المساعدات، بما فيها دقيق وأرز وحليب أطفال ومياه وأدوية وخيام وكرفانات، ما زالت مكدسة تحت الشمس الحارقة منذ أشهر، ما تسبب بفساد كميات كبيرة منها. وأضاف: "ما يتكدس الآن في العريش يكفي لإطعام سكان قطاع غزة لأشهر طويلة، لكن الاحتلال يمنع دخولها، والنتيجة أن الناس تموت جوعاً بينما الغذاء متاح خلف الجدار".

 

الأمم المتحدة: 6000 شاحنة جاهزة ولكن ممنوعة
عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة "الأونروا"، أكد أن الوكالة وحدها لديها أكثر من 6000 شاحنة محمّلة بالمساعدات الإنسانية الجاهزة، تكفي غزة لثلاثة أشهر. لكنه أوضح أن القرار النهائي يظل بيد إسرائيل، التي ترفض السماح بإدخال هذه الشحنات.

وأشار أبو حسنة إلى أن العديد من المساعدات فسد بالفعل بسبب التأخير، ما يمثل خسارة مزدوجة: إنسانياً ومادياً، في وقتٍ يعيش فيه قطاع غزة تحت حصار خانق وسط أوضاع إنسانية وصفها بـ"الكارثية وغير المسبوقة".

 

الجوع كسلاح في يد الاحتلال
"الكارثة تخطّت حدود الجوع"، بهذه الكلمات وصف أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، الوضع الإنساني في القطاع، مشيراً إلى أن الناس لم تعد تجد ما تسد به رمقها، لا رغيف خبز ولا جرعة دواء. وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الجوع كسلاح لإخضاع الفلسطينيين، في ظل صمت دولي مريب.

وقال الشوا إن العالم مطالب بتحرك فوري لوقف المجزرة الجارية وفتح المعابر، خصوصاً مع توفر كميات ضخمة من المساعدات المكدسة في مصر والأردن وبلدان أخرى، مشدداً على أنه لا يوجد أي مبرر إنساني أو قانوني لاستمرار الحصار.

 

معبر رفح.. شريان الحياة المقطوع
من جانبه، قال مصدر مسؤول في الجانب المصري من معبر رفح إن طواقم المعبر جاهزة للعمل على مدار الساعة لتيسير دخول المساعدات، لكن وجود القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من المعبر يمنع أي تحرك.

 

ضغط دولي بلا فعالية
البيان المشترك الصادر مؤخراً عن 25 دولة، على رأسها فرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا، طالب بإنهاء الحرب فوراً وفتح المعابر الإنسانية، مشدداً على أن "المجاعة باتت واقعاً ملموساً في غزة". لكن حتى هذه اللحظة، لم يترجم هذا الضغط إلى خطوات عملية لكسر الحصار أو إدخال المساعدات، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدية المجتمع الدولي في التعامل مع الكارثة.