أعلن القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد البلتاجي، في رسالة مسرّبة، أمس الثلاثاء، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام داخل سجن بدر 3، شرقي القاهرة، وذلك منذ الأول من يوليو الجاري. وجاء الإضراب احتجاجًا على ما وصفه بالانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها هو وعدد من السجناء السياسيين، في ظل ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية.

وجاء في الرسالة التي كتبها البلتاجي، نقلًا عن مصادر أسرية: "أنا الأستاذ الدكتور بكلية الطب – جامعة الأزهر، وعضو البرلمان الأسبق، والمعتقل بسبب موقفي السياسي منذ عام 2013، والمحتجز في قطاع (2) بسجن بدر (3) منذ ثلاث سنوات مع 57 من زملائي نعيش في ظروف غير إنسانية شديدة القسوة. لقد مرت ثماني سنوات لا نرى فيها الشمس ولا ألوان السماء، ثماني سنوات داخل زنازين مغلقة 24 ساعة يوميًا، لا نخرج منها إلا إلى المستشفى في أصعب الظروف، وإذا سُمح لنا بذلك، ثماني سنوات ونحن معزولون عن العالم: لا صحف، لا راديو، لا تلفاز. ثماني سنوات لم نرَ أمهاتنا ولا زوجاتنا ولا أولادنا، ولم يُسمح لأيٍّ منهم بزيارتنا مطلقًا، بل لم يُسمح لنا بالتواصل معهم بأي وسيلة، لا اتصالًا هاتفيًا ولا حتى رسائل مكتوبة، حتى إن أحدنا يعلم بوفاة أمه أو أحد أقاربه بعد مرور سنوات أو أكثر".، وفقًا لـ"العربي الجديد"

وأكد البلتاجي انضمامه إلى المضربين عن الطعام في سجن بدر 3، وقال: "انضممت إلى قائمة المضربين عن الطعام داخل القطاع منذ الأول من يوليو الجاري، وسأستمر في إضرابي حتى الموت ما لم تتغير هذه الأوضاع غير الإنسانية. لقد تحملنا ما لا يتحمله بشر على مدار أكثر من 12 عامًا، ولم يعد ممكنًا تحمُّل المزيد. ما نتعرض له من تنكيل لا مثيل له في أي سجن في العالم، ولا حتى في دولة الاحتلال الإسرائيلي. فالموت أهون مما نحن فيه".

واختتم البلتاجي رسالته بالقول: "أكرر ندائي... إن كل ما يجري لنا من تعذيب ممنهج منذ عام 2013 حتى اليوم ليس إلا انتقامًا من مواقفنا التي تمثلت في اشتراكنا في قيادة ثورة 25 يناير، ثم رفضنا للانقلاب على الثورة والتجربة الديمقراطية الوليدة. الموجودون معي: وزراء، ومحافظون، وأعضاء برلمان سابقون، وأساتذة جامعات، وقيادات في أحزاب سياسية وثورية وشعبية، جميعنا نقاسي المعاناة نفسها منذ 12 عامًا. فيا أحرار العالم، ارفعوا أصواتكم لوقف هذا الظلم، والقهر، والطغيان".

ووُلِد محمد إبراهيم البلتاجي عام 1963 في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وتعرّف إلى جماعة الإخوان المسلمين في سنّ مبكرة خلال دراسته الثانوية بمدينة الإسكندرية عام 1977. التحق بكلية الطب في جامعة الأزهر، وتولّى رئاسة اتحاد طلاب الكلية ثم اتحاد طلاب الجامعة بين عامي 1985 و1987. وبعد تخرّجه، تخصّص البلتاجي في جراحة الأنف والأذن والحنجرة، وحصل على درجة الماجستير عام 1993، ثم الدكتوراه عام 2001، ليُعيَّن لاحقًا مدرسًا بكلية الطب بجامعة الأزهر. واصل نشاطه في القوافل الطبية والخدمات الخيرية داخل الأحياء المهمّشة.

سياسيًا، انتُخب نائبًا بمجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة عام 2005، وبرز حينها باعتباره أحد الأصوات المدافعة عن الحريات العامة واستقلال السلطة القضائية وحرية الصحافة. كان من المؤسسين لحملة "مصريون ضد التوريث" وحركة "مصريون من أجل انتخابات حرة". كذلك نشط في دعم القضية الفلسطينية، وشارك في "أسطول الحرية" لكسر الحصار عن غزة عام 2010. وبعد ثورة 25 يناير 2011، أصبح البلتاجي أحد أبرز الوجوه في ميدان التحرير، وانتُخب عضوًا في برلمان 2012 وعضوًا في لجنة الدفاع والأمن القومي، وشارك في أعمال الجمعية التأسيسية لصياغة دستور عام 2012.

عقب عزل الرئيس محمد مرسي، انضم البلتاجي إلى اعتصام رابعة العدوية، حيث اعتلت ابنته أسماء المنصة إلى جانبه، قبل أن تُقتل خلال عملية فضّ الاعتصام في 14 أغسطس 2013. أُلقي القبض عليه بعد نحو أسبوعين، في 29 أغسطس، في منطقة أبو النمرس بمحافظة الجيزة، ووجّهت إليه اتهامات بالتحريض على العنف والإرهاب، ليُحال على سلسلة من المحاكمات الاستثنائية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

بين عامي 2014 و2021، صدرت بحقه أحكام بالسجن المؤبد في قضية "اقتحام الحدود الشرقية"، فضلًا عن أحكام بالإعدام في قضية فضّ اعتصام رابعة، أُيّدت من قبل محكمة النقض في يونيو 2021. وتشير بيانات قضائية إلى أن مجموع الأحكام الصادرة بحقه بلغ 219 سنة سجنًا إلى جانب 12 حكمًا بالإعدام. وقد دانت منظمات حقوقية هذه المحاكمات، مشيرة إلى انتهاكات في إجراءات التقاضي وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب.

قضى البلتاجي سنوات في الحبس الانفرادي بسجن طرة، قبل أن يُنقل منتصف عام 2022 إلى سجن بدر 3، حيث يُمنع من الزيارة وتُفرض عليه رقابة دائمة عبر الكاميرات. في 20 يونيو 2024، بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على العزل الطبي وحرمانه التريض والعلاج. وفي الأشهر الأخيرة، حذّرت منظمات حقوقية محلية ودولية من "موجة انتحارات" في السجن نفسه، بينما وثّقت تقارير حقوقية صادرة بين إبريل ويوليو 2025 استمرار عزله وتدهور حالته الصحية، وسط استمرار احتجازه حتى الآن.