فقد الطفل الفلسطيني حسين بربخ حياته في 24 يونيو بسبب الجوع، بعد معاناة طويلة من سوء تغذية حاد، وجفاف، وتضخم في الكبد، وتسمم دموي حاد. كان من المفترض أن يُطفئ شمعته الثالثة في اليوم التالي. لم يتجاوز عامًا واحدًا حين بدأت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، حسبما ذكرت الكاتبة ميراندا كليفلاند، فعزلت سكانه بالكامل عن العالم الخارجي. لاحقت أوامر التهجير الإسرائيلية عائلته، فتجوّلوا قسرًا كأحجار الشطرنج. وبعد فرض الحصار الكامل في مارس، انهارت صحته وفقد وزنين في وقت قصير.

وقالت الكاتبة في مقال نشره موقع ميدل إيست آي، أن والدته آمنة ذكرت، في إفادة موثّقة ضمن عملنا في مؤسسة الدفاع عن الأطفال الدولية – فلسطين، أن وزنه بدأ يتراجع يومًا بعد يوم، وصوته ضعف تدريجيًا. شعرت أنه يختفي من بين يديها.

نُقل حسين إلى قسم التغذية في مجمع ناصر الطبي بخان يونس في 23 أبريل، لكن كغيره من المراكز الطبية المتبقية في غزة، يفتقر هذا المرفق إلى الأدوية وحليب الأطفل والأجهزة والأطباء والكهرباء والغذاء والماء النظيف. فشل النظام الصحي في توفير العلاج للأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد.

في ذات اليوم الذي مات فيه حسين، أصدرت المؤسسة تقريرًا بعنوان تجويع جيل: حملة المجاعة الإسرائيلية ضد أطفال غزة. سجّل التقرير 33 حالة موثقة لأطفال توفوا بسبب الجوع، بينهم حسين. ساهمت الكاتبة في إعداد التقرير الذي يحمّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية استخدام التجويع كأداة للإبادة، ويؤكد أن آثار هذه السياسات ستستمر لأجيال.

وثّق باحثونا حالات الجوع الأولى مطلع 2024، واستمر التوثيق رغم إغلاق غزة بشكل كامل لاحقًا. نستند إلى أن إسرائيل أطلقت المجاعة عمدًا في بدايات العام، وأنها لا تزال مستمرة.

 

المجاعة كسلاح إبادة

لا تحدث المجاعات مصادفة. فرضت إسرائيل سياسات وهجمات تعمّدت منع الفلسطينيين من الوصول إلى ضروريات البقاء. رغم الإنكار من بعض داعمي إسرائيل، عبّر المسؤولون الإسرائيليون بوضوح عن نواياهم. في 9 أكتوبر 2023، صرّح وزير الدفاع يوآف غالانت: "نفرض حصارًا كاملًا على غزة، بلا كهرباء، بلا طعام، بلا ماء، بلا وقود. نحن نقاتل ضد حيوانات بشرية". شكّل هذا التصريح علامة فارقة على النية الإبادية باستخدام الجوع كسلاح.

الحصار لم ينتهِ. يموت الأطفال الفلسطينيون تباعًا من الجوع والجفاف، حيث تتعطّل أجسادهم ببطء وبألم فادح. حديثو الولادة، وذوو الإعاقات، والمصابون بأمراض مزمنة هم الأكثر عرضة للموت. يحذر أطباء من منظمة "أطباء ضد الإبادة" من أن الأطفال الذين يعانون من الجوع في أعمار مبكرة يواجهون لاحقًا مشاكل في المناعة والنمو، ويصابون بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط.

كما تؤدي المجاعة إلى تدنٍ في الأداء الدراسي والسلوكي، وتُضعف مهارات التركيز والتعلّم والوظائف الإدراكية. رغم أن التقرير وثّق 33 حالة، إلا أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، في ظل صعوبة التوثيق وخطورة العمل الميداني.

 

التواطؤ الدولي

يعاني كل طفل في غزة الآن من خطر الجوع. لا تقع المسؤولية على إسرائيل وحدها، بل تمتد إلى قادة العالم الذين شاهدوا المجازر، ورأوا مخططات التجويع، وصمتوا على قصف الأبراج السكنية، وقتل الأطفال، وتدمير المدارس والمستشفيات.

يتحمّل هؤلاء القادة نصيبًا من الجريمة. يصعب تخيّل مشهد أكثر فظاعة من طفل يتلاشى جوعًا أمام عيني أمه. تأخّر العالم عن إنقاذ حسين، وعن إنقاذ أطفال آخرين ماتوا ببطء ووجع، وذبلت أجسادهم حتى العظم.

لكن الأوان لم يفُت بعد لإنقاذ مليون طفل في غزة، ما زالوا يصارعون من أجل وجبة واحدة في اليوم. تُطالب المؤسسة بإنهاء فوري للحصار والإبادة في غزة، وبموقف دولي حازم لإنقاذ حياة العائلات الفلسطينية. أي تقاعس عن ذلك لا يكفي.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-extermination-hasan-should-have-turned-three-instead-he-starved-death