كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في تقرير حديث أصدرته عام 2025 بعنوان "في غياهب الجُب" عن توثيقها لـ863 حالة اختفاء قسري مؤكدة في محافظة شمال سيناء خلال الفترة من 2013 حتى 2022، بينما تشير تقديرات نشطاء وفاعلين قبليين في المنطقة إلى أن عدد المختفين قد يتراوح بين 3000 و3500 شخص.
هذه الأرقام جاءت نتيجة مقابلات مع 42 ناشطًا محليًا وممثلين قبليين من مختلف مراكز وقرى المحافظة، إضافة إلى مراجعة البيانات الرسمية العسكرية التي أعلنت مقتل 5053 من "العناصر الإرهابية" واعتقال أكثر من 14800 مشتبه به خلال العمليات العسكرية نفسها، ما يطرح تساؤلات عن مصير آلاف المعتقلين المفقودين حتى الآن.
تعريف ظاهرة الاختفاء القسري وأبعادها الدولية
الاختفاء القسري هو مصطلح حقوقي يصف عملية اختطاف أو احتجاز الأشخاص من قبل الدولة أو من تمت تفويضها بذلك دون الإفصاح عن مكان احتجازهم أو أسباب القبض، مما يعرضهم لتعذيب أو انتهاكات جسيمة ويحول دون حصولهم أو أسرهم على أي حق قانوني أو اجتماعي.
تشكل هذه الجريمة انتهاكًا جادًا لحقوق الإنسان حسب اتفاقية الحماية الدولية الصادرة عام 2006 وبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتترافق مع آثار اجتماعية واقتصادية ثقيلة على الضحايا وأسرهم تشمل ضياع المعيل وتهديد حقوق التعليم والصحة والدعم الاجتماعي لأفراد العائلة.
السياق العسكري والسياسي في شمال سيناء
منذ تصاعد الحرب على الإرهاب في شمال سيناء منتصف 2013، شهدت المنطقة اشتباكات حادة بين الجيش المصري وجماعات مسلحة مقاتلة، خاصة المرتبطة بتنظيم داعش منذ 2014، ما أدى إلى اعتقالات عشوائية وإخفاء قسري واسع النطاق.
وثقت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش اعتقال آلاف السكان، بما في ذلك أطفال، وسط غياب شبه كامل للشفافية وعدم إجراء تحقيقات رسمية أو محاكمات عادلة، وهو ما يؤكد على أن الإخفاء القسري أصبح جزءًا من السياسة الأمنية المتبعة.
كما تسببت العمليات العسكرية في تهجير عشرات آلاف المدنيين من مناطق النزاع وغابت الرعاية الرسمية لأوضاع المختفين وأسرهم.
أرقام وخسائر من عدة جهات
تأتي الأرقام الحكومية معلنة مقتل أكثر من 5000 من المسلحين واعتقال ما يزيد على 14800 في الفترة ما بين 2013 و2022، في حين تبيّن تقديرات مراكز مستقلة أن أعداد المسلحين في المنطقة لم تتجاوز في أوقات الذروة ألف إلى خمسة عشر مئة فقط، مما يوضح تفاوتًا صارخًا في الأرقام، ويزيد من شكوك مصير الأعداد الكبيرة من المعتقلين المجهولين.
وفق معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، قتل بين يناير 2014 ويونيو 2018 ما لا يقل عن 3076 مسلحًا و1226 من أفراد الجيش والشرطة، في ظل استمرار القتال وعمليات الجيش المكثفة.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية على ذوي المختفين
بحسب تقارير مؤسسة سيناء ولجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فإن الاختفاء القسري لا يؤثر فقط على المختفين أنفسهم، بل يوقع أضرارًا اقتصادية واجتماعية بالغة على أسرهم، خصوصًا مع فقد المعيل الرئيسي للعائلة، ما يؤدي إلى تفكك البنى الأسرية وتدهور الوضع المعيشي للنساء والأطفال الذين غالبًا ما يواجهون التهميش، الإقصاء الاجتماعي والوصم.
كما يؤدي غياب وثائق الاعتقال أو شهادات الوفاة إلى حرمانهم من المعونات الاجتماعية مثل رواتب التقاعد أو الدعم الحكومي.
تصريحات ومواقف سياسية ورسمية
في مقابلات وتصريحات متفرقة، نفى المتحدث العسكري وجود حالات اختفاء قسري أو وجود معتقلين صحراويين مفقودين خارج إطار القانون، مع التأكيد على أن القوات المسلحة تنفذ عمليات مكافحة الإرهاب ضمن القوانين الدولية.
من ناحية أخرى، ناشدت منظمات حقوقية دولية موثوقة ومنها مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، السلطات المصرية بالتحقيق الفوري في جميع حالات الاختفاء القسري، وضمان الوصول القانوني للمعتقلين وعائلاتهم، وأكدت أن مظاهر الغموض والافتقار للشفافية تزيد من انتشار الانتهاكات الجسيمة وتهدد الاستقرار الأمني والإنساني في المنطقة.
توصيات حقوقية وإنسانية
يدعو خبراء الأمم المتحدة والدعاة لحقوق الإنسان إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا، وتوفير دعم شامل للأسر، وضمان آليات تحقيق ومساءلة صارمة ضد المسؤولين عن حالات الاختفاء القسري.
كما تؤكد الوثائق على أهمية إشراك الفئات الأكثر تضررًا، كالأمهات والنساء المشمولات بالوصم الاجتماعي، ضمن برامج الحماية والمساعدة، وإلغاء أية قوانين أو ممارسات تمنع الحصول على الحقوق الاجتماعية والزواج والعمل بسبب نقص الوثائق القانونية.
تشكل ظاهرة الاختفاء القسري في شمال سيناء أزمة إنسانية وحقوقية مستمرة منذ بدء الحرب على الإرهاب عام 2013، حيث ما تزال آلاف الحالات بدون إجابات واضحة حول مصير الكثيرين، وسط غياب المساءلة والشفافية.
يُشدد التقرير الحقوقي الصادر عن مؤسسة سيناء على ضرورة فتح قنوات تواصل جادة للتحقيق في هذه الانتهاكات، وضمان حقوق ذوي المختفين والحفاظ على كرامتهم، لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات وتخفيف معاناة الأسر المتأثرة في شمال سيناء.