في تقرير حقوقي مثير يحمل عنوان "في غياهب الجب: قصص غير مروية لمدنيين ابتلعتهم المعتقلات السرية في سيناء"، كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان عن حجم صادم لانتهاكات حقوق الإنسان في شمال سيناء، موثقة ما بين 3000 إلى 3500 حالة اختفاء قسري وقعت خلال الفترة من 2013 وحتى 2025، وسط إنكار رسمي مستمر وغياب أي مسار فعّال للمحاسبة.

وقال أحمد سالم، مدير المؤسسة، إن التقرير لا يقتصر على مهمة التوثيق، بل يمثل دعوة مفتوحة لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة، مشددًا على ضرورة مساءلة المتورطين وإنهاء حقبة الإفلات من العقاب التي باتت تهيمن على المشهد الحقوقي في مصر، لا سيما في سيناء.

 

منهجية التوثيق: 42 شاهداً من قلب المعاناة
اعتمد التقرير على مقابلات موسعة أجرتها المؤسسة مع 42 ناشطًا محليًا وزعيمًا قبليًا من مناطق متعددة داخل شمال سيناء، من بينهم العريش ورفح والشيخ زويد وبئر العبد وجلبانة.

وقد اشترطت المؤسسة أن يكون الشهود على اطلاع مباشر أو غير مباشر بملفات الإخفاء القسري، ما يعكس حجم انتشار الظاهرة وتجذرها في النسيج الاجتماعي للمنطقة.

 

حملات أمنية عشوائية واحتجاز بلا أثر
وثقت المؤسسة أن كثيرًا من حالات الإخفاء القسري بدأت خلال حملات أمنية موسعة أو عبر نقاط تفتيش منتشرة بكثافة في عموم شمال سيناء، خصوصًا مع تصاعد العمليات المسلحة لتنظيم "ولاية سيناء" في المنطقة. وفي أحيان أخرى، تم استدعاء المواطنين من قبل الأجهزة الأمنية للتحقيق، ليختفوا بعدها دون أي أثر.

وأشار التقرير إلى أن الحواجز الأمنية لا تقتصر مهمتها على ضبط الأمن، بل تحولت في أحيان كثيرة إلى أدوات لإيقاف السكان وتفتيشهم والتحقيق معهم ميدانيًا، وقد يمتد الاحتجاز لساعات طويلة، بينما يخضع المحتجزون لتدقيق أمني بحثًا عن أسماءهم في "قوائم المطلوبين"، قبل أن يتقرر مصيرهم بالاعتقال أو الإخلاء.

 

مقرات مفتوحة في العلن... ومعلومات تتناقلها المجتمعات المغلقة
من المفارقات التي وردت في التقرير، ما كشفه مدير المؤسسة عن قيام جمعية تابعة لرجل الأعمال والقيادي القبلي الشهير إبراهيم العرجاني بفتح مقراتها في شمال سيناء لتلقي بلاغات الأهالي حول ذويهم المختفين قسريًا. ورغم غياب إعلان رسمي أو إعلامي عن هذه الخطوة، فإن سالم أوضح أن المجتمع السيناوي الصغير بطبيعته يسمح بتناقل هذه المعلومات بسرعة، ما يعزز الاعتقاد بوجود تحرك غير معلن لتجميع البيانات، ربما لصالح جهة رسمية أو للتفاوض لاحقًا بشأن المصير الغامض للمختفين.

 

الدولة تنفي... والمجتمع يدفع الثمن
في الوقت الذي تواصل فيه الجهات الرسمية إنكار وجود حالات إخفاء قسري في سيناء، يتفاقم الألم داخل المجتمعات المحلية التي لم تعد تنتظر سوى بارقة أمل أو دليل حياة على مصير من اختفوا. وتبرز شهادات الأهالي الواردة في التقرير أن بعض الأسر لم تتلقَّ أي اتصال أو خبر منذ سنوات، بينما تشير بعض الدلائل إلى أن بعض المختفين محتجزون في أماكن غير رسمية يصعب الوصول إليها قانونيًا أو إعلاميًا.

دعوة لمحاسبة المسؤولين وإنهاء دوامة الإفلات
يخلص التقرير إلى أن هناك حاجة ملحّة إلى مراجعة جذرية لنهج الدولة في سيناء، لا سيما فيما يتعلق بالملف الأمني والحقوقي. وطالبت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة حول هذه الحالات، والسماح للمراقبين الدوليين بالدخول إلى مناطق الاحتجاز، وإطلاق سراح من لم تُوجَّه إليهم تهم قانونية واضحة.