شهدت مصر خلال النصف الأول من عام 2025 إصدار أحكام بالإعدام بحق 269 متهماً في 194 قضية مختلفة، وفقاً لتقرير جديد صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ما يعكس استمرار الدولة في استخدام العقوبة القصوى بوتيرة متسارعة ومثيرة للقلق.
وبحسب التقرير، فإن من بين هؤلاء المحكومين، أصبح حكم الإعدام نهائيًا وبات غير قابل للطعن بحق 17 متهماً، ما يُشير إلى قرب تنفيذ هذه الأحكام، بينما أُحيلت أوراق 197 متهماً إلى مفتي الجمهورية في 137 قضية، وهي الخطوة الإجرائية التي تسبق إصدار الحكم بالإعدام رسمياً. وتم تنفيذ الحكم فعليًا بحق ثلاثة أشخاص خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
لكن الأرقام التي رصدها التقرير، ورغم ضخامتها، لا تمثل إلا الحد الأدنى مما أمكن توثيقه عبر متابعة التقارير الإعلامية والتواصل مع ذوي المتهمين، ما يفتح الباب أمام احتمال أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.
"صدارة عالمية قاتمة"
لا تأتي هذه الأرقام في فراغ، بل ضمن سياق أوسع من التوسع اللافت في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام خلال العقد الأخير. فمنذ عام 2014، ومع اتساع رقعة المحاكمات المتعلقة بالعنف السياسي، تصاعد استخدام هذه العقوبة إلى مستويات غير مسبوقة، وبلغ ذروته بعد أحداث انقلاب 3 يوليو 2013.
بحسب تقارير حقوقية متواترة، فإن مصر حافظت في السنوات الأخيرة على مركز متقدم في قائمة أكثر الدول تنفيذاً لأحكام الإعدام. ففي عام 2020، صنّفت منظمة العفو الدولية مصر كثالث أكثر دولة في العالم تنفيذًا لهذه الأحكام، بعد الصين وإيران، بنسبة ارتفاع بلغت نحو 45.4% مقارنة بعام 2019.
وفي عام 2022، نُفذت 24 عملية إعدام على الأقل، لتضع مصر في المرتبة الخامسة عالمياً، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وفي العام التالي، استمرت البلاد في الحفاظ على مرتبة متقدمة من حيث عدد أحكام الإعدام الجديدة، بواقع 365 حكماً على الأقل، لتحل ثانية بعد الصين.
انتهاكات ممنهجة وعدالة منقوصة
ما يُثير قلق المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، لا يتوقف عند الأرقام وحدها، بل يمتد إلى السياقات والإجراءات القضائية التي تُصدر فيها هذه الأحكام، ففي كثير من القضايا، تُثار شكوك كبيرة حول مدى التزام المحاكم المصرية بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى جانب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وثّقتا عشرات الحالات التي شابها التعذيب والإخفاء القسري وانتزاع الاعترافات تحت الإكراه. وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن العديد من هذه المحاكمات تُعقد بشكل جماعي، ويحرم المتهمون فيها من حق الدفاع، ما يقوض مصداقية الأحكام.
في كثير من القضايا، وخصوصاً تلك المصنفة ضمن قضايا "الإرهاب" أو "تهديد الأمن القومي"، يواجه المتهمون اتهامات فضفاضة وملفّقة، دون أدلة ملموسة، وفقاً لما تؤكده منظمات مثل "كوميتي فور جستس" و"نحن نسجل"، حيث يصبح السياق السياسي مهيّئاً لاستخدام القضاء كأداة للانتقام أو قمع المعارضة.
تكتم رسمي وغياب الشفافية
واحدة من أبرز الانتقادات التي تواجهها مصر في هذا الملف، تتعلق بغياب الشفافية في التعامل مع هذه العقوبة. فعمليات الإعدام تتم غالبًا بسرية شديدة، دون إعلان مسبق أو تمكين المحكوم عليه من وداع ذويه، وهو ما يُخالف المعايير الدولية التي تؤكد على حق المتهم في المعرفة والتواصل مع عائلته ومحاميه حتى لحظة التنفيذ.
كما تغيب البيانات الرسمية الدقيقة والمنتظمة بشأن تنفيذ أحكام الإعدام، ما يدفع المنظمات الحقوقية للاعتماد على مصادر ثانوية من الإعلام أو شهادات الأهالي، مما يصعّب من عملية التوثيق ويزيد الغموض.
مناشدات دولية وتعنت داخلي
في ظل هذه التطورات، تتواصل الدعوات من المنظمات الحقوقية لإيقاف العمل بهذه العقوبة، على الأقل بشكل مؤقت، تمهيداً لإلغائها. وتطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنظمة العفو الدولية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام فوراً، وفتح تحقيقات شفافة في كل حالة صدرت فيها أحكام بناءً على اعترافات مشكوك فيها.
غير أن السلطات ترفض هذه الانتقادات عادة، وتؤكد على "استقلال القضاء" و"احترام سيادة القانون"، دون الدخول في تفاصيل أو تفسيرات بشأن معايير المحاكمة أو ظروف الاحتجاز.
https://www.facebook.com/EIPR.org/posts/1206409281512916?ref=embed_post