أثار إعلان تشكيل المجلس الأعلى للثقافة لعام 2025، الذي أعلنه مصطفى مدبولي،رئيس حكومة السيسي، موجة واسعة من الجدل والاستياء في الأوساط الثقافية والشبابية. وجاءت أبرز الانتقادات بسبب سيطرة رموز النظام السابق على التشكيل الجديد، وسط غياب شبه تام للأجيال الشابة والتيارات الثقافية المستقلة والحديثة.

 

وجوه قديمة تتصدر المشهد
ضمّ التشكيل شخصيات ارتبطت لعقود بدوائر الحكم والنظام الرسمي، بدءاً من الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (مواليد 1935)، أحد أبرز رموز الشعر الحديث، الذي يشغل مواقع ثقافية منذ أكثر من نصف قرن، ويُعرف بمواقفه الصدامية مع تيارات الإسلام السياسي والتيارات التراثية.

كما تواجد في التشكيل محمد سلماوي (1935)، الكاتب المعروف بعلاقاته الوثيقة بالسلطة منذ عهد المخلوع مبارك، والذي وُجّهت إليه انتقادات متكررة بسبب عدم دعمه لحرية التعبير، خصوصاً في فترات شهدت تضييقاً على الصحافة والمثقفين.

ويضاف إلى القائمة يوسف القعيد (1944)، الذي لطالما شغل مناصب رسمية ثقافية ونيابية، ومصطفى الفقي (1944)، أحد أبرز رجال الدولة في عهد المخلوع مبارك، والذي شغل مناصب حساسة أبرزها سكرتير المعلومات برئاسة الجمهورية ومدير مكتبة الإسكندرية.

وشهد التشكيل أيضاً إدراج وجوه مثيرة للجدل مثل مفيد شهاب (1936)، وزير التعليم العالي الأسبق المعروف بدفاعه المستميت عن نظام المخلوع مبارك، ومحمد صابر عرب (1948)، الذي تولى وزارة الثقافة عدة مرات عقب ثورة يناير، وكان عرضة لانتقادات حادة بشأن تقلب مواقفه السياسية.

ولم يغب عن التشكيل اسم مشيرة خطاب (1944)، الدبلوماسية السابقة ومرشحة مصر السابقة لليونسكو، في خطوة رآها كثيرون أنها لا تأتي من موقع ثقافي بقدر ما تعكس توازنات سياسية داخل السلطة التنفيذية.

فيما أثار تعيين علي الدين هلال (1941)، وزير الشباب الأسبق، استغراب كثيرين نظراً لحالته الصحية، إلى جانب علي بدرخان (1946)، المخرج السينمائي الذي انحسر نشاطه الفني منذ سنوات، ما جعل وجوده أقرب إلى تمثيل رمزي منه إلى مساهمة فاعلة.

 

غياب كامل للشباب و"الثقافة الرقمية"
الانتقاد الأبرز الذي طال التشكيل الجديد كان غياب كامل لتمثيل الشباب أو أي من الحقول الثقافية المستحدثة. لم يضم التشكيل أسماء من الجيل الجديد من الكتّاب أو الشعراء أو صناع المحتوى الثقافي الرقمي، ولم يعكس تحولات المشهد الثقافي الذي يشهد تنوعاً وثراءً في أدوات التعبير والوسائط الجديدة.

وقد وصف ناشطون ومثقفون التشكيل بأنه "يعيد إنتاج نخبة النظام القديم"، و"يكرّس الجمود والانغلاق داخل المؤسسات الثقافية الرسمية". وتداول بعضهم عبارات مثل "مجلس العواجيز"، و"مجلس بلا مستقبل"، معتبرين أن أعمار معظم الأعضاء – التي تجاوزت الثمانين في بعض الحالات – لا تسمح بمواكبة التغيرات المتسارعة في الثقافة والمجتمع.

وكتب أحد الصحافيين على صفحته الشخصية: "تشكيل المجلس الأعلى للثقافة يعكس عقلية إدارية تسعى لحفظ القديم لا لتوليد الجديد، وتؤمن بأن الحكمة تقيم فقط في الشَعر الأبيض، لا في رؤى الشباب".

 

تدوير الوجوه وتكرار الأسماء
اللافت أن المجلس خلا من مفاجآت حقيقية، حيث اعتمد على تدوير نفس الأسماء التي سيطرت لعقود على الحقل الثقافي، ما زاد من حدة الانتقادات.

ورغم استثناء بعض الأسماء ذات الكفاءة والتي لم تنخرط في علاقات سلطوية مباشرة – مثل الموسيقي راجح داود وعالم الاجتماع سعيد المصري – إلا أن المراقبين اعتبروا هذه الاستثناءات لا تغيّر من طبيعة المجلس المنغلق على نفسه.

وقال أحد النقاد إن التشكيل الجديد "يعكس رغبة النظام في الحفاظ على نخبة تقليدية تدين له بالولاء، بدلاً من إشراك طاقات جديدة يمكن أن تُحدث تحولاً حقيقياً في الخطاب الثقافي العام".

 

دفاع رسمي واتهامات بالتسييس
من جانبه، دافع وزير الثقافة الحالي أحمد هنّو عن تشكيل المجلس، واصفاً إياه بـ"النوعي"، ومؤكداً أنه "يضم قامات فكرية وفنية كبيرة سيكون لها دور في دعم قوة مصر الناعمة ومكانتها الثقافية عربياً ودولياً".

إلا أن هذا التبرير لم يقنع قطاعات واسعة من المثقفين، الذين اعتبروا الدفاع الرسمي محاولة لتجميل قرار سياسي الطابع، لا يأخذ في الاعتبار الواقع الثقافي المتحول ولا الأجيال الجديدة التي أصبحت أكثر حضوراً وتأثيراً في المشهد العام، عبر منصات النشر المستقلة ووسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية.