فوجئت الأسواق المحلية بموجة جديدة من الارتفاعات في أسعار زيوت وسمن الطعام، بعد إعلان إحدى كبرى الشركات المنتجة عن زيادات متفاوتة على منتجاتها. هذه الزيادة، التي قد تبدو للبعض طفيفة، ألقت بظلالها الثقيلة على ميزانيات ملايين الأسر، وأعادت للأذهان مشاهد موجات الغلاء المتكررة التي باتت جزءًا من المشهد الاقتصادي اليومي، في وقت يترقب فيه المواطن أي بارقة أمل لانخفاض تكاليف المعيشة.
7 جنيهات زيادة في عبوة الزيت.. وسلسلة ارتفاعات لا تتوقف
بحسب بيانات أولية تم تداولها في الأسواق، ارتفع سعر عبوة زيت دوار الشمس سعة 5 لترات بمقدار 7 جنيهات دفعة واحدة، بينما تراوحت الزيادات في باقي الأصناف بين 5 و9 جنيهات، باختلاف الأحجام والنوعيات. هذه الأرقام، وإن بدت صغيرة نسبيًا، إلا أنها تعني الكثير للمواطن البسيط، الذي يستهلك الزيت بشكل يومي ولا يستطيع الاستغناء عنه ضمن احتياجاته الأساسية.
وتُعد هذه الزيادة حلقة جديدة في سلسلة تحركات سعرية غير مستقرة تشهدها معظم السلع الغذائية الأساسية منذ أكثر من عامين، نتيجة التضخم وتراجع القدرة الشرائية محليًا، فضلاً عن أزمة الدولار وارتفاع تكاليف الشحن والاستيراد.
أسباب معقدة.. من الحقول العالمية إلى الموائد
رغم تحسن نسبي في أسعار الخامات عالميًا بعد تخفيف حدة الحرب الروسية الأوكرانية، فإن الأسواق العالمية لا تزال تعاني من اختناقات في سلاسل الإمداد، بالإضافة إلى عوامل بيئية قاسية كالتغيرات المناخية وموجات الجفاف، التي ضربت المحاصيل الزيتية مثل دوار الشمس وفول الصويا في دول التصدير الرئيسية.
وفي ظل اعتماد مصر بنسبة تتجاوز 90% على استيراد خامات الزيوت النباتية، فإن أي تغير خارجي ينعكس بشكل مباشر على السوق المحلية، في وقت لم تنجح فيه حتى الآن خطط الدولة لتعزيز الإنتاج المحلي أو توفير بدائل وطنية قادرة على المنافسة.
ضعف في الامتصاص الاقتصادي.. والضحية الطبقة المتوسطة
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن متوسط استهلاك الفرد المصري من الزيوت النباتية يبلغ نحو 12 كيلو سنويًا، ما يعني أن أي زيادة، ولو ضئيلة، في الأسعار تؤثر بشكل مباشر على الإنفاق الشهري للأسر.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، لم يعد من السهل امتصاص هذه الزيادات، خاصة بالنسبة للطبقتين المتوسطة والفقيرة، اللتين تآكلت مدخراتهما خلال السنوات الأخيرة.
ومع غياب بدائل محلية حقيقية أو منتجات منافسة بأسعار منخفضة، يُجبر المواطن على أحد خيارين: إما تقليص استهلاكه من الزيوت، أو اللجوء إلى أنواع رديئة الجودة قد تضر بصحته على المدى الطويل.
صراع البقاء في مصانع الزيوت.. وتجاهل حكومي للتحكم في الأسواق
على الجانب الآخر، تواجه شركات الصناعات الغذائية تحديًا قاسيًا يتمثل في التوفيق بين الحفاظ على استمرارية الإنتاج في ظل التكاليف المرتفعة، وبين عدم فقدان ثقة المستهلك، الذي بات ينظر بعين الشك لأي زيادة في الأسعار.
وتأتي هذه الزيادة الجديدة في ظل تصاعد المطالب بضرورة تدخل الدولة لوضع سقف للأسعار أو تقديم دعم مؤقت للسلع الأساسية، إلا أن الواقع يشير إلى تراجع أدوات الرقابة، وسط ما يعتبره مراقبون "تفككًا مؤسسيًا" في السياسات الاقتصادية، وعجزًا عن تقديم حلول حقيقية لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن.