شهد مجمع سجون بدر، أحد أبرز رموز "النهج الأمني الجديد" مشهدًا صادمًا وصفه محامون وحقوقيون بـ"اللا إنساني"، بعد تعرض عشرات المحتجزين في قضايا سياسية لانتهاكات جسيمة خلال جلسات تجديد حبسهم، ما أدى إلى حالات إغماء، ومحاولات انتحار، وسط صمت قضائي وتدخل أمني قمعي طال حتى ممثلي الدفاع.

في بيان رسمي صدر عن "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، أكد محامون حضوروا جلسات تجديد الحبس أمام الدائرة الثانية بمحكمة جنايات إرهاب القاهرة -المنعقدة داخل سجن بدر- أن موكليهم المحتجزين في ست قضايا ذات طابع سياسي وأمني تعرضوا لمعاملة تنتهك أبسط الحقوق الآدمية والدستورية، بما في ذلك الحق في الحياة الكريمة أثناء نظر القضية.

 

أقفاص حديدية مزدوجة.. وساعات من العذاب الصامت
بدأت الجلسات بإدخال المحتجزين إلى قفص حديدي مزدوج، مدعم بقضبان وأسلاك تحجب الرؤية، ومحاط بطبقة زجاجية عازلة تحرمهم من التهوية، وتعزلهم تمامًا عن المحكمة.

ووفقًا لرواية المحامين، فإن المحتجزين ظلوا داخل هذا القفص لأكثر من سبع ساعات متواصلة دون تهوية أو مياه أو السماح باستخدام الحمامات، وسط درجة حرارة خانقة داخل القاعة المغلقة.

مع مرور الوقت، بدأت أصوات الصراخ والاستغاثة تتعالى من داخل الأقفاص، واشتد الطرق على الحديد والزجاج بشكل هستيري. أحد المحامين وصف المشهد بالقول: "كان واضحًا أننا أمام كارثة داخلية، البعض فقد وعيه، وآخرون كانوا يصرخون دون توقف، وهناك من حاول الانتحار، كما حدث في جلسة سابقة".

 

انتهاكات صريحة للدستور.. وتهديد مباشر للمحامين
عندما حاول المحامون الاستفسار عن موكليهم والسعي للاطمئنان عليهم، قوبلوا – بحسب المفوضية – بـ"مراوغة" من عناصر الأمن المسؤولين داخل القاعة.

وتطور الأمر حين عبّرت محامية صراحةً عن قلقها، وطالبت بالكشف عما إذا كان أحد المحتجزين قد تعرض لأذى. بدلاً من التجاوب، وجه لها أحد الضباط برتبة عقيد تهديدًا مباشرًا، متهمًا إياها بـ"التحريض والإثارة"، في انتهاك واضح للمادة 198 من الدستور التي تنص على أن "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وتتمتع بالحماية القانونية".

 

تدخل قضائي متأخر.. دون استجابة إسعافية
مع تصاعد التوتر والصخب داخل القاعة، تدخل رئيس الدائرة القضائية وأمر بخروج عناصر الأمن، وسمح بدخول ثلاثة أفراد إلى القفص لتهدئة الأوضاع. ووفق البيان، أكد المتهمون تعرضهم لانتهاكات متعددة، أبرزها:

الاكتظاظ داخل قفص لا يتسع للأعداد الموجودة

الحرمان من التهوية والتكييف رغم درجات الحرارة المرتفعة

منع استخدام الحمامات وشرب المياه منذ الصباح

وجود حالات إغماء واحتياج طبي عاجل لبعض المحتجزين

ورغم أوامر القاضي باستدعاء الإسعاف، لم يصل أي تدخل طبي لأكثر من ساعة، ما دفع المفوضية لوصف الأمر بأنه "استهتار متعمد بحياة المحتجزين، يستوجب التحقيق والمحاسبة".

 

مناشدات وتحركات قانونية
طالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بفتح تحقيق مستقل وعاجل بشأن ما جرى داخل القاعة، ومساءلة الضابط الذي هدد المحامية، وضمان احترام حق الدفاع، إلى جانب فتح تحقيقات موسعة حول ظروف الاحتجاز في سجن بدر، والتأكد من توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

كما دعا المحامون إلى تدخل عاجل من نقابة المحامين، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى جانب منظمات دولية لتوثيق الواقعة والضغط من أجل وقف الانتهاكات المستمرة التي يعاني منها المتهمون السياسيون داخل السجون.

 

خلفية القضايا
القضايا التي نظر فيها القضاء خلال الجلسة تشمل أرقام 502 لسنة 2022، 1935 لسنة 2021، 305 لسنة 2022، 30 لسنة 2017، 1977 لسنة 2023، و1021 لسنة 2020، وجميعها مقيدة أمام نيابة أمن الدولة العليا، وتضم متهمين في قضايا رأي أو انتماء سياسي، بحسب منظمات حقوقية مستقلة.