يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعلان رغبته في "تغيير وجه الشرق الأوسط"، لكن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا بين تصريحاته وحقائق الميدان.

يتقن نتنياهو أدوات التسويق السياسي، خصوصًا تكرار العبارات لبناء سردية تُصبح مع الوقت أشبه بالحقيقة. غير أن الترويج وحده لا يكفي، إذ يجب أن يواكب المنتج تطلعات الجمهور. المنتج الذي يروّج له نتنياهو – رؤيته الإقليمية – يظهر مفككًا وعاجزًا عن إقناع الداخل أو الخارج، ومع ذلك يواصل استخدام أدوات دعائية تجاوزها الزمن.

منذ تسعينيات القرن الماضي، ربط نتنياهو بين إيران والسلاح النووي، محذرًا من اقترابها من امتلاك قنبلة. كرّر التحذير ذاته مرات لا تُحصى، واستثمر في تصوير إيران كتهديد وجودي، رغم تحوّلات المشهد الدولي والإقليمي. بعد غزو العراق، وجّه خطابه بالكامل نحو طهران، متجاهلًا تحوّل أولويات واشنطن، خاصة في عهد أوباما الذي رفض الانجرار لحرب جديدة.

خلال ولاية الرئيس ترامب، استغل نتنياهو الفضاء السياسي والإعلامي ليعزز حملته ضد إيران، مستخدمًا أساليب دعائية منها "إعلان التفوق الحضاري" مقابل "التهديد البربري". كذلك اعتمد على إثارة الخوف والشك، ليقدم إسرائيل كخط الدفاع الأول عن "العالم المتحضّر".

ضمن هذا الإطار، برز مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" بوصفه حلًا شاملًا، شرط أن تتدخل واشنطن وتعيد رسم الإقليم وفق الرؤية الإسرائيلية. لكن هذا المفهوم ليس من ابتكار نتنياهو. تعود جذوره إلى دراسة نشرها مركز كارنيغي عام 2004، في سياق حماس أمريكي لما بعد غزو العراق لإعادة تشكيل الإقليم بما يخدم المصالح الغربية.

لاحقًا، أعادت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تسويق المصطلح عام 2006 بصيغة "الشرق الأوسط الجديد"، بدلًا من "الشرق الأوسط الكبير". تبنّى نتنياهو هذا الخطاب لاحقًا، وزعَم أنه لا يسعى إليه فقط، بل يعمل على تحقيقه. عام 2021 صرّح قائلًا: "نحن نغيّر وجه الشرق الأوسط، بل نغيّر وجه العالم".

حتى بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من عدوان دموي على غزة، استمرّ نتنياهو في استخدام المصطلح ذاته، مؤكدًا أن الحرب جزء من مشروع "تغيير الشرق الأوسط". خلال قصف إسرائيل لليمن في مايو، أعلن أن الهدف لا يقتصر على "هزيمة حماس"، بل يشمل "تغيير وجه الإقليم".

لاحقًا، ومع تصاعد التوتر مع إيران، استخدم العبارة نفسها مجددًا، مضيفًا إليها عبارة "تغيير وجه الشرق الأوسط"، في إشارة إلى أن التغيير الذي يروّج له يتم عبر القنابل والصواريخ.

غير أن الواقع الإقليمي لا يدعم هذه المزاعم. فالتغيرات الفعلية التي يشهدها الإقليم لا تصدر عن إسرائيل، بل تتولّد من حراك الشعوب وتحوّلات داخلية عميقة. المحاولات الإسرائيلية لفرض هيمنة على المنطقة عبر القوة لم تؤدِ إلى استقرار، بل فجّرت أزمات جديدة.

رؤية نتنياهو للشرق الأوسط الجديد تعيد إنتاج منطق الهيمنة الغربية، حيث تُعاد صياغة حدود النفوذ تحت شعارات مثل "الأمن"، و"التحضّر"، و"محاربة الإرهاب"، بينما يجري تجاهل المطالب الحقيقية لشعوب المنطقة. النتيجة: شرق أوسط متفجر، وليس "جديدًا".

في النهاية، يمكن لنتنياهو أن يُكرّر شعاراته كما يشاء، لكن ملامح التغيير الحقيقي في المنطقة تَتشكل خارج إرادته، بواسطة قوى محلية صاعدة، وشعوب لم تعد تقبل بالوصاية ولا بالاحتلال. الشرق الأوسط يتغيّر فعلًا، ولكن ليس وفقًا لمقاسات إسرائيل.

https://www.middleeastmonitor.com/mehedi/new-middle-east-this-is-netanyahus-real-goal-in-the-region/