بعد اثني عشر يومًا من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقفًا هشًّا لإطلاق النار، وذلك بعد أن ردّت طهران على قصف منشآتها النووية بضربة على قاعدة أميركية في قطر. الخبراء في المجلس الأطلسي ناقشوا الدروس الاستراتيجية الأهم من هذه المواجهة، والتي قد لا تكون نهاية الحرب، بل بداية مرحلة أخطر.

 

إيران.. ثلاثي الردع يتهاوى

يؤكد جوناثان بانيكوف أن موازين القوى في الشرق الأوسط تغيّرت جذريًا، إذ اعتمدت إيران لسنوات على ثلاثية الردع: شبكة الوكلاء، والصواريخ الباليستية، والبرنامج النووي. لكن الحرب الأخيرة أضعفت هذه الركائز الثلاث بشكل ملحوظ.

أما دانيال شابيرو، فيرى أن إيران كشفت عن هشاشة عسكرية خطيرة، خاصة مع الاختراق الأميركي والإسرائيلي لعمق بنيتها الدفاعية. ورغم ذلك، يشدد على أن طموحات طهران النووية لم تختفِ، وستبقى خطرًا قائمًا ما لم تُعاد المفاوضات لفرض قيود صارمة على التخصيب مقابل تخفيف بعض العقوبات.

 

إسرائيل: قوة ضاربة... لكنها ليست منيعة

يشير شابيرو إلى أن إسرائيل خرجت من هذه الحرب بمكانة عسكرية أعلى، بعدما أثبتت قدرتها على توجيه ضربات قوية في عمق الشرق الأوسط، ورفضها العيش تحت تهديد وجودي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر. ونجحت في تحقيق هدفين استراتيجيين: إضعاف البرنامج النووي الإيراني وتقليص قدراته الصاروخية.

لكن الحذر واجب، وفقًا لشابيرو، إذ تلقت إسرائيل ضربات مباشرة بصواريخ إيرانية سبّبت خسائر بشرية وضغوطًا على الدفاعات الجوية. ويحثّ القيادة الإسرائيلية على استغلال اللحظة لعقد صفقة شاملة: وقف إطلاق النار في غزة، إعادة الأسرى، وإنهاء حكم حماس، ما قد يعيد مسار اندماج المنطقة سياسيًا وأمنيًا.

في المقابل، تشير كيرستن فونتينروز إلى وجود فجوة في الأهداف بين واشنطن وتل أبيب. فبينما ركّزت أميركا على تدمير المنشآت النووية، توسعت إسرائيل في أهدافها لتشمل إزالة التهديد الوجودي – أي إسقاط النظام الإيراني نفسه، وهو ما يثير توتّرًا استراتيجيًا خفيًا.

 

الولايات المتحدة: قدرات فائقة ولكن تحديات دبلوماسية باقية

يرى شابيرو أن الجيش الأميركي أثبت تفوقًا عملياتيًا كبيرًا، سواء في تنفيذ الضربات على المواقع النووية الإيرانية، أو حماية أصوله من ردود إيران. لكن يحذّر من أن طهران أو وكلاءها قد يحاولون الانتقام لاحقًا، ما يستوجب يقظة مستمرة.

وتلفت فونتينروز إلى أن إجلاء القوات الأميركية والقطرية من قاعدة العديد قبل الهجوم الإيراني كان إنجازًا لوجستيًا دقيقًا، وربما يؤدي إلى توثيق العلاقات بين واشنطن والدوحة، ما يُخرج قطر من توازنها التقليدي بين طهران وواشنطن.

لكن الشكوك باقية: هل استطاعت إيران تهريب كميات من اليورانيوم عالي التخصيب من موقع فوردو قبل الضربة؟ يُرجّح بانيكوف ذلك، محذرًا من أن بعض الأجهزة الطرد المركزي المتقدمة قد تسمح لطهران باستئناف التخصيب نحو مستوى السلاح في منشأة صغيرة غير معلنة.

ويضيف أن الإجابة تتطلب تفتيشًا عاجلًا من وكالة الطاقة الذرية، مما يجعل الحل الدبلوماسي الطويل الأمد ضروريًا. بدون ذلك، قد تضطر واشنطن أو إسرائيل إلى شن ضربات جديدة خلال أشهر لمنع عودة البرنامج النووي الإيراني، ما يعني أن هذه الحرب كانت، في أحسن الأحوال، هدنة مؤقتة.

 

خلاصة استراتيجية

الحرب القصيرة كشفت هشاشة الردع الإيراني، وعمّقت الخلافات التكتيكية بين واشنطن وتل أبيب، ووضعت مستقبل البرنامج النووي الإيراني أمام مفترق خطير. ما لم يتحقق اتفاق دبلوماسي شامل، ستبقى المنطقة مهددة بحروب متكررة.

https://www.atlanticcouncil.org/content-series/fastthinking/the-big-lessons-from-12-days-of-war-with-iran/