اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل التي استمرت اثني عشر يومًا لم يكن مفاجئًا بقدر ما كانت دوافعه عميقة وتشابكاته معقدة، لكن إنهاءها السريع حمل دلالات أكبر. داخل إسرائيل، يعيش بنيامين نتنياهو على حافة أزمة سياسية خانقة، تطارده قضايا فساد متماسكة ضده وضد زوجته، والبلاد على وشك انقسام داخلي غير مسبوق. الهجمات التي شنّتها حماس في 7 أكتوبر 2023 أعادت توحيد الجبهة الإسرائيلية بشكل مؤقت، ما أتاح لحكومتها شن حملة عسكرية واسعة على غزة، ترافقت مع أساليب اعتبرها كثيرون تطهيرًا عرقيًا وإبادة جماعية من خلال قطع المياه والكهرباء وتجويع السكان.
في خضم هذا التصعيد، أصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانًا اتهم فيه إيران بعدم الشفافية بشأن برنامجها النووي. تلقت إسرائيل تلقفت التصريح كفرصة لتوسيع الحرب، محاولة صرف الأنظار عن أزمة نتنياهو وسحب الولايات المتحدة إلى معركة أوسع. التقديرات الإسرائيلية افترضت أن إيران لا تملك قدرة عسكرية كافية، وأن اغتيال قادتها سيقود إلى انتفاضة شعبية تطيح بالنظام. في الأيام الأولى للحرب، بدت هذه الحسابات ناجحة بفضل العملاء الذين نشرتهم إسرائيل داخل إيران، وبدت الحرب قصيرة على غرار حرب الأيام الستة عام 1967.
لكن الرد الإيراني كان أعنف مما توقعته إسرائيل. الصواريخ والطائرات المسيرة بدأت تضرب مواقع استراتيجية داخل إسرائيل عدة مرات يوميًا، ما كشف أن طهران قادرة على الصمود لفترة طويلة. الدفاعات الجوية الإسرائيلية واجهت نقصًا حادًا في الذخيرة، التي يصعب إنتاجها بسرعة. جغرافية إسرائيل المحدودة وسكانها الأقل عددًا جعلتها عاجزة عن تحمل حرب طويلة. وفي المقابل، التفت الإيرانيون حول قيادتهم السياسية حتى من داخل صفوف المعارضين، ما عنى أن الرهان على الانقسام الداخلي الإيراني لم يصمد.
في هذه اللحظة الحرجة، توجّه نتنياهو بنداء عاجل إلى دونالد ترامب، بعد أن بدأ البيت الأبيض بدوره في إدراك حجم المأزق. القصف الأميركي لمواقع نووية إيرانية، مثل فوردو ونطنز وأصفهان، أُحيط بكثير من الغموض. صور الأقمار الصناعية أظهرت تحركات غامضة قرب منشأة فوردو، شاحنات ثقيلة تنقل معدات ومداخل تُغلق بتلال من التراب. بعد الضربة، ظهرت علامات على قمة الجبل وفي منحدره على عمق 80 مترًا، لكن منشآت التخصيب تقع أعمق بكثير، تحت أكثر من كيلومتر من الصخور، ما جعل تأثير الضربة محدودًا.
أما منشأة نطنز، فكانت غير نشطة قبل الهجوم، بينما أُصيبت منشأة أصفهان بصواريخ توماهوك لا تخترق التحصينات. رغم تصريحات ترامب المتفاخرة بـ"تدمير كامل" للمنشآت النووية، خرجت تقارير تتحدث عن اختفاء 400 كجم من اليورانيوم المخصب، وهو ما يكفي لصنع عشر قنابل نووية. وحتى المسؤولون الإسرائيليون أشاروا إلى أن معدات حساسة أُزيلت من المواقع المستهدفة قبيل القصف، بينما كانت طهران تعلن مسبقًا عن نيتها افتتاح منشأة رابعة لم يُكشف عن موقعها.
أدرك الطرفان أن أهدافهما لم تتحقق. البرنامج النووي الإيراني تأخر لأشهر فقط وليس سنوات، ومحاولة إسقاط النظام لم تنجح. الضربات الجوية والبحرية وحدها لم تكن كافية، وإسرائيل لا تملك القدرة على تنفيذ غزو بري، بينما القوات الأميركية غير مهيأة حاليًا لذلك النوع من العمليات. استمرار الحرب كان سيؤدي إلى انهيار واسع داخل إسرائيل ونزيف في الاقتصاد الأميركي، مع احتمال أن تخرج إيران، رغم الخسائر، كأقوى فاعل إقليمي.
النتيجة أن كلا الجانبين أنهك جزءًا من قدراته الدفاعية، لكن قدراتهما الهجومية بقيت قائمة، ما يهدد بمزيد من التصعيد مستقبلاً. إسرائيل، بسبب مساحتها الصغيرة، كانت الخاسر الأكبر في هذا التوازن. ولهذا سارعت واشنطن إلى التدخل والضغط من أجل وقف إطلاق النار.
https://m.economictimes.com/opinion/et-commentary/why-israel-seized-the-ceasefire-calculating-the-costs-of-a-prolonged-war-with-iran/articleshow/122075701.cms