مقال رأي بصحيفة لو موند، تكتب سيلفي كوفمان أن أوروبا، المتمسكة جوهريًا بالقانون الدولي، تجد نفسها في مأزق متزايد وسط عالم تسوده القوة وتفرض فيه الولايات المتحدة تناقضات يصعب على الأوروبيين التوفيق بينها.
في 16 مايو، وخلال فعالية في تالين، عبّر وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي عن حسّه الساخر أمام نظيره الإستوني وممثل الولايات المتحدة الجديد لدى الناتو، ماثيو ويتاكر، المُعين من قِبل دونالد ترامب. دعا الوزير البولندي إلى دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لحضور قمة الناتو المقبلة في لاهاي، رغم علمه بمعارضة واشنطن لهذه الخطوة.
ثم قال ساخرًا: "بصراحة، أود أيضًا أن أرى الرئيس بوتين في لاهاي!" في إشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ضحك الحضور، لكن الممثل الأمريكي لم يُبدِ أي رد فعل.
هل تجاهل التعليق عمدًا؟ أم لم يفهم الإشارة إلى محكمة لاهاي؟ فالولايات المتحدة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، ولا تعترف عمليًا بالمحكمة. أما أوروبا، فترى في مذكرة التوقيف لحظة قانونية فارقة في الحرب الأوكرانية، إذ إنها شكّلت مواجهة رمزية بين القانون والقوة.
هذه الحادثة تعكس الانقسام المتنامي بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن القانون الدولي. ففي وقت ينهار فيه نظام التعددية القطبية، تحاول أوروبا التمسك بمبادئه، وخاصة في إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، حيث يُستخدم القانون كسلاح أخلاقي وسياسي.
مفارقة قانونية جديدة
لكن هذا الالتزام الأوروبي بالقانون يدخل في تناقض صارخ عند النظر إلى الموقف الأوروبي من الهجوم الإسرائيلي على إيران. إذ دعم عدد من القادة الأوروبيين – مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس – موقف إسرائيل، مبررين الهجوم بحق الدفاع عن النفس.
من ناحية القانون الدولي، يبدو هذا التبرير غير متماسك. فميثاق الأمم المتحدة ينص على أن الدفاع عن النفس يكون ردًّا على هجوم واقع، لا على تهديد محتمل. صحيح أن إيران تسعى لتطوير برنامج نووي يهدد إسرائيل، لكن لم تشن هجومًا فعليًا عليها، ولم تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود سلاح نووي إيراني جاهز للاستخدام.
بهذا المعنى، يصبح دعم الهجوم الإسرائيلي خروجًا عن القانون الذي يستند إليه الأوروبيون في إدانة روسيا. وهنا تظهر مفارقة: كيف يُدين القادة الأوروبيون الغزو الروسي لأوكرانيا استنادًا إلى القانون الدولي، ثم يبررون خرق هذا القانون في حالة إيران وإسرائيل؟
ازدواجية المعايير
تزداد التناقضات الأوروبية حدة عندما تُفهم في سياق العلاقة مع الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تزداد فيه تبعية الأمن الأوروبي لواشنطن بسبب الحرب في أوكرانيا، تجد أوروبا نفسها مضطرة إلى مسايرة سياسات أمريكية لا تنسجم دائمًا مع مبادئها، خاصة في قضايا الشرق الأوسط.
وتبدو واشنطن، خصوصًا تحت إدارة ترامب، غير معنية بالاعتبارات القانونية الدولية، سواء تعلق الأمر بالمحكمة الجنائية الدولية أو بالاتفاق النووي الإيراني أو حتى بميثاق الأمم المتحدة نفسه. ونتيجة لذلك، تضع الولايات المتحدة الأوروبيين في موقف صعب: إما الاصطفاف معها تحت مبررات القوة والمصلحة، أو الالتزام بمبادئ القانون الدولي والظهور بموقف معارض للحليف الأكبر.
أزمة قِيَم
تكشف هذه المواقف المتناقضة أزمة أعمق في السياسة الأوروبية، تتعلق بتآكل الإيمان بفاعلية القانون الدولي في عالم تتراجع فيه سلطة المؤسسات الدولية، ويصعد فيه منطق الردع والعقاب الاستباقي. وفي هذا السياق، تصبح الحرب الوقائية – كضرب إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي – سياسة واقعية في نظر البعض، رغم فشل تجاربها السابقة، مثل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
لكن كما تؤكد كوفمان، هذا النهج نادرًا ما ينجح، بل غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، منها زعزعة الاستقرار، وخلق فوضى إقليمية، وصعود قوى أكثر تطرفًا.
تحاول أوروبا، في ظل هذه التحديات، أن تحافظ على صورتها كمدافع عن القانون الدولي، لكن الأحداث الأخيرة تكشف عمق هشاشة هذا الموقف. فكلما زادت الضغوط الجيوسياسية، تراجع الالتزام بالمبادئ، وبرزت الحسابات الواقعية والمصالح.
وفي عالم تُقرِّر فيه القوة أكثر من القانون، يظل سؤال جوهري يواجه الأوروبيين: هل يمكنهم الاستمرار في رفع شعار القانون، بينما يقفون إلى جانب من ينتهكه؟
https://www.lemonde.fr/en/opinion/article/2025/06/18/iran-israel-preventive-war-and-regime-change-are-rarely-met-with-success_6742460_23.html