شهدت مصر في مايو 2025 أزمة جديدة بين القضاة والمحامين، تمثلت في إضراب واسع النطاق نظمه المحامون احتجاجًا على فرض رسوم قضائية جديدة اعتبروها مخالفة للدستور والقانون، حيث تعيش مصر في السنوات الأخيرة أزمة متفاقمة بين جناحي العدالة القضاة والمحامين، تعكس اختلالًا عميقًا في منظومة العدالة، وتكشف عن تدخلات السلطة العسكرية في الشؤون القضائية، مما يُهدد استقلال القضاء ويُقوض سيادة القانون، ويمكن فهم هذه الأزمة كجزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة كافة، بما في ذلك القضاء وذلك بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 3 يوليو 2013.

 

بداية الأزمة

بدأت الأزمة عندما أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة قرارًا بفرض رسوم جديدة تحت مسمى "مراجعة الحوافظ"، بواقع 33 جنيهًا عن كل ورقة، وترافق ذلك مع زيادات متتالية في رسوم التقاضي، شملت الدمغات، النماذج المطبوعة، الخدمة المميكنة، والاستعلام، بالإضافة إلى رسوم استخراج الشهادات ونسخ الأحكام، واعتبرت نقابة المحامين هذه الرسوم عبئًا غير قانوني على المتقاضين، وخرقًا للمبادئ الدستورية التي تضمن حق التقاضي المجاني والعادل..

 

الإضراب العام

في 8 مايو 2025، نظمت نقابة المحامين إضرابًا عامًا عن الحضور أمام جميع دوائر محاكم الاستئناف ومأمورياتها على مستوى الجمهورية، حيث أعلنت النقابة المحامين أن هذا الإضراب هو خطوة أولى احتجاجية، وفي حالة عدم الاستجابة لمطالبها، سيتم الدعوة لجمعية عمومية لبحث اتخاذ إجراءات تصعيدية، كما أكدت النقابة أن الإضراب جاء بعد استنفاد كافة الوسائل القانونية للتعبير عن رفضها للرسوم الجديدة.

 

تداعيات الأزمة

تسببت الأزمة في تعطيل العديد من الجلسات القضائية، وتأجيل القضايا، مما أثر على المتقاضين، كما سلطت الضوء على التوترات القائمة بين جناحي العدالة في مصر، وأثارت تساؤلات حول استقلالية القضاء ودور السلطة التنفيذية في التأثير على قراراته، كما تُعتبر هذه الأزمة مثالًا على تدخل النظام العسكري الحاكم في كافة مناحي الحياة، بما في ذلك السلطة القضائية، وأن فرض هذه الرسوم الجديدة يهدف إلى تقييد حق المواطنين في التقاضي، ويعكس رغبة النظام في السيطرة على مؤسسات الدولة.

تؤثر هذه الأزمات والتدخلات سلبًا على منظومة العدالة في مصر، حيث يشعر المحامون بالتهميش وعدم الاحترام من قبل بعض القضاة، خاصة في ظل تعيينات قضائية تعتمد على المحسوبية وليس الكفاءة، كما أن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، كما أن هذه الأزمات تعكس سياسة ممنهجة من قبل النظام العسكري لإحكام السيطرة على مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضاء، وتعتبر أن استقلال القضاء يتعرض لخطر كبير، وأن العدالة أصبحت أداة في يد السلطة التنفيذية لتصفية الخصوم السياسيين.

 

أزمة متجددة بين القضاة والمحامين

تجددت الخلافات في السنوات الأخيرة وشهدت توترات متصاعدة بين القضاة والمحامين في مصر..

ليست هذه الأزمة هي الأولى من نوعها؛ ففي عام 2023، أصدرت محكمة في مرسى مطروح حكمًا بالسجن على ستة محامين، مما أثار غضب نقابة المحامين ودفعها إلى الدعوة لإضراب عام، ليرد نادي القضاة ببيان تهديدي، مما زاد من حدة التوتر بين الجانبين.

كما شهدت مصر أزمات سابقة بين القضاة والمحامين، ففي عام 2010، أدت مشاجرة بين محامين وأحد مديري النيابة في طنطا إلى إضرابات واسعة للمحامين، مما تسبب في شلل تام للمحاكم وتأجيل آلاف القضايا.

وفي عام 2015، أضرب المحامون احتجاجًا على اعتداء ضابط شرطة على أحد زملائهم.

 

تدخلات السلطة التنفيذية في القضاء

منذ الانقلاب العسكري في 2013، توسعت السلطة التنفيذية في تدخلها في الشؤون القضائية، حيث أصدر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي قوانين تُوسع من اختصاصات المحاكم العسكرية، مما يسمح بمحاكمة المدنيين أمامها في قضايا تتعلق بالمنشآت العامة، كما تم تعديل الدستور في عام 2019 لمنح الجيش صلاحيات أوسع في التدخل في الشؤون المدنية.

 

المطالب والإصلاحات المقترحة

تمثلت مطالب نقابة المحامين في عدة نقاط أساسية أهمها:

  • ضمان استقلالية القضاء بعيدًا عن تدخلات السلطة التنفيذية
  • حوار جاد مع الجهات المعنية لحل الأزمة بشكل يضمن حقوق جميع الأطراف
  • احترام حق المواطنين في التقاضي المجاني.
  • إلغاء الرسوم الجديدة
  • إصلاحات جذرية لضمان استقلال القضاء
  • إلغاء القوانين التي تسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
  • ضمان تعيين القضاة بناءً على الكفاءة والشفافية، بعيدًا عن المحسوبية.
  • تعزيز دور نقابة المحامين في الدفاع عن حقوق أعضائها وضمان احترامهم داخل المحاكم.
  • إعادة النظر في التعديلات الدستورية التي منحت الجيش صلاحيات واسعة في الشؤون المدنية.

 

الخلاصة

تعكس الأزمة الحالية بين القضاة والمحامين في مصر تحديات كبيرة تواجه منظومة العدالة، وتسلط الضوء على ضرورة تعزيز استقلالية القضاء، وضمان حقوق المتقاضين، وتوفير بيئة قانونية عادلة وشفافة.

حيث تُعد الأزمة بين القضاة والمحامين في مصر جزءًا من أزمة أوسع تتعلق بسيادة القانون واستقلال القضاء، كما أن هذه الأزمة تعكس محاولات النظام العسكري لإحكام قبضته على مؤسسات الدولة، مما يُهدد العدالة والحريات الأساسية للمواطنين، ويتطلب الأمر إصلاحات جذرية لضمان استقلال القضاء وحماية حقوق المحامين والمتقاضين على حد سواء، وهو الأمر المستبعد في ظل دولة الرجل الواحد وهو عبد الفتاح السيسي زعيم الانقلاب العسكري.