"قال أحمد، وهو فلسطيني من بلدة حوارة قرب نابلس: "لا حاجة لكِ يا رزان للذهاب إلى الصين، تعالي إلى حوارة، فالصين هنا." رغم أن حديثه جاء مازحاً، إلا أنه حمل حقيقة ثقيلة. فحوارة، وهي بلدة فلسطينية صغيرة، تحاصرها مستوطنات من بين الأكثر عنفاً وتطرفاً في الضفة الغربية مثل يتسهار. وحين سألته عن قصده، أجاب بأن عمّالاً صينيين يعيشون ويعملون في المستوطنات المجاورة ويظهرون بشكل منتظم في شوارع القرية ويشترون من متاجرها الفلسطينية".
هذه الملاحظة دفعت كاتبة هذا المقال، رزان الشوامرة، والذي نشر في موقع ميدل إيست آي، إلى التحقيق وجمع شهادات من فلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة. قال علي، من رام الله، إنه رأى عشرات العمال الصينيين يبنون منازل وبنية تحتية في مستوطنة بيت إيل. وأوضح سعيد، من الخليل، أن المستوطنين خلال جائحة كورونا عزلوا العمال الصينيين في حجر خاص.
هذه الشهادات تكشف حقيقة غير مريحة: العمالة الصينية تساهم بوضوح في بناء المستوطنات الإسرائيلية على أراضٍ فلسطينية محتلة.
المفارقة أن هذا الواقع يتناقض مع سياسة الصين المعلنة، إذ وقعت بكين اتفاقاً عمالياً مع إسرائيل عام 2015 تضمن شرطاً بعدم تشغيل العمال الصينيين في الضفة المحتلة، بدافع مخاوف أمنية، وليس موقفاً مبدئياً من عدم شرعية الاستيطان. غير أن هذه المخاوف اختفت لاحقاً عندما استحوذت الصين عام 2016 على شركة "أهافا"، ومقرها في مستوطنة متسبيه شاليم.
في العام التالي، وقّعت الدولتان اتفاقاً جديداً يسمح بجلب 6 آلاف عامل بناء صيني بشروط مماثلة. ورغم تأكيد إسرائيل أن الاتفاق يهدف إلى حماية العمال، أعلنت الصين أن موقفها مرتبط برفضها البناء داخل المستوطنات.
غير أن الشهادات من نابلس ورام الله والخليل تؤكد أن العمال الصينيين ما زالوا يعملون في توسيع المستوطنات، مما يثير تساؤلات حول صدق معارضة بكين للنشاط الاستيطاني.
ورغم تعبير الصين عن قلقها إزاء عنف المستوطنين في الضفة، فإن شركات صينية تواصل دعم الاحتلال. أبرز الأمثلة شركة "أداما" لحلول الزراعة، وهي شركة إسرائيلية أصبحت مملوكة بالكامل للدولة الصينية عبر "كيم تشاينا". خلال العدوان على غزة، نشرت "أداما" عمالها لدعم المزارعين، بمن فيهم المستوطنون في غلاف غزة والشمال. ووصف ممثل الشركة هؤلاء المزارعين بأنهم "رواد هذا العصر"، وأطلقت "أداما" أيضاً صندوق منح دراسية بقيمة مليون شيكل لدعم طلاب الزراعة في المستوطنات.
تاريخ الشركة في التعاون مع مؤسسات الاستيطان طويل؛ فقد استُخدمت منتجاتها في تجارب زراعية داخل مستوطنات غور الأردن، كما استُخدم أحد مبيداتها في رش جوي أضرّ بالنباتات على حدود غزة، وذلك ضمن عمليات تعاقدية للجيش الإسرائيلي.
ولا تقف المسألة عند "أداما". شركات صينية أخرى، منها حكومية وخاصة، استثمرت في شركات إسرائيلية تعمل داخل المستوطنات. فشركة "برايت فود" الحكومية الصينية اشترت 56% من شركة "تنوفا" الإسرائيلية عام 2014، رغم دعوات المقاطعة الدولية. وفي 2021، فازت "تنوفا" بعقد تشغيل 22 خط مواصلات عامة تخدم 16 مستوطنة في الضفة والقدس المحتلة.
كذلك اشترت مجموعة "فوسون" الصينية عام 2016 شركة "أهافا"، المعروفة بمنتجاتها المصنوعة في مستوطنة متسبيه شاليم، والتي استُهدفت بحملة مقاطعة عالمية وورد اسمها ضمن قائمة الأمم المتحدة للشركات العاملة بشكل غير قانوني في المستوطنات.
ورغم تصريحات السفراء الصينيين المتكررة في الأمم المتحدة بضرورة وقف الاستيطان، إلا أن بلادهم تواصل عبر شركاتها دعم البنية التحتية لهذا المشروع الاستعماري، في تناقض صارخ مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر المستوطنات انتهاكاً فاضحاً.
وهكذا، بينما تُعلن بكين دعمها لقيام دولة فلسطينية، تُسهم استثماراتها الاقتصادية في ترسيخ الاستعمار الصهيوني وتعزيز نظام الفصل العنصري، دون ضجة أو مساءلة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/china-quietly-aiding-israels-settlement-enterprise-how