"شكرًا لهذا الحشد المهيب، رسالتكم تكليف بإتمام مسار لن نحيد عنه في الدفاع عن حقكم في نقابة قوية ومهنة حرة. وشكرًا لكل من بذل جهدًا لخروج هذا اليوم بشكل يليق بالنقابة وجمعيتها العمومية".
كانت تلك الكلمات رسالة شكر وجّهها خالد البلشي إلى الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بعد فوزه بنقيب الصحفيين للمرة الثانية تواليًا.
وصف البلشي فوزه بولاية ثانية بأنه بمنزلة تكليف من الجمعية العمومية لاستكمال مسيرة العمل التي بدأها خلال العامين الماضيين.
وجدَّد الصحفيون ثقتهم بالبلشي في مشهد انتخابي وصف "بالتاريخي"، ليحتفظ بمقعده في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت أول أمس الجمعة، وشهدت حضورًا ومشاركة غير مسبوقة.
وحصل البلشي على 3 آلاف و346 صوتًا من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة البالغ 5748 صوتًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النقابة، مقابل ألفين و562 صوتًا لسلامة، بفارق يصل إلى 784 صوتًا، بحسب ما أعلنته اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات.
وكان البلشي قد فاز بالمنصب للمرة الأولى في مارس 2023، متفوقًا على رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية آنذاك، خالد ميري، "نتيجة مواقفه الثابتة في الدفاع عن حرية الكلمة وحقوق الصحفيين".
تعزيز دور النقابة
ورأى البعض أن هذا الفوز الذي تحقق وسط منافسة محتدمة من المرشح عبد المحسن سلامة يعكس رغبة أغلب الصحفيين في تعزيز دور النقابة لمواجهة التحديات الراهنة التي تعصف بالمهنة، سواء على صعيد الحريات أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
شكر المرشح سلامة، الذي لم يحالفه الحظ، الصحفيين الذين شاركوا في الانتخابات ومن "صوّتوا له ودعموه".، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
كما تمنى في كلمته للفائزين بمقاعد مجلس النقابة التوفيق في تشكيلهم الجديد، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن نتائج الانتخابات لا تزال قيد التقييم والمراجعة.
وقبيل الانتخابات أقرّ سلامة، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر جريدة الأهرام، بصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الصحفيون، وقال إنها "صعبة جدًا وغير مرضية"، مبينًا أن طرحه لحزمة اقتصادية لتحسين أحوالهم قوبل "بالسخرية" من البعض، رغم أن هذا الملف يُمثِّل تحديًا حقيقيًا ودورًا أساسيًا للنقابة.
وأكد سلامة تضامنه مع المطالب بالإفراج عن الصحفيين المحتجزين، مشددًا على ضرورة أن تكون النقابة فاعلة في الشأن العام دون أن تكون طرفًا في الأزمات، رابطًا ملف الحريات بالملفات الاقتصادية والمهنية والخدمية.
رسالة الصحفيين
شهد السباق على منصب النقيب منافسة بين 8 مرشحين، كان أبرزهم البلشي وسلامة، وتنافس على 6 مقاعد تُشكل عضوية مجلس النقابة 43 صحفيًا، فاز بها كل من: الأعضاء فوق السن وهم: محمد سعد عبد الحفيظ (مدير تحرير جريدة الشروق)، وحسين الزناتي، ومحمد شبانة، إضافة إلى الأعضاء تحت السن وهم: أيمن عبد المجيد، ومحمد السيد الشاذلي، وإيمان عوف.
وبذلك يكتمل تشكيل مجلس نقابة الصحفيين الجديد، بانضمام هؤلاء الفائزين إلى 6 أعضاء باقين من المجلس السابق، هم: جمال عبد الرحيم، وهشام يونس، ومحمود كامل، ومحمد الجارح، ومحمد يحيى، وعبد الرؤوف خليفة.
وتبلغ مدة ولاية النقيب عامين، في حين يتكون مجلس النقابة من 12 عضوا، يُنتخب نصفهم كل عامين.
وفي تعليقه على نتائج الانتخابات وفوزه مجددًا في انتخابات التجديد النصفي، قال وكيل نقابة الصحفيين محمد سعيد عبد الحفيظ "هذا الانتصار جاء تتويجًا لإقبال تاريخي على التصويت، ويُمثِّل رسالة واضحة وقوية من الصحفيين بتمسكهم بخياراتهم المستقلة وتطلعاتهم نحو نقابة تعبر عنهم، وأن أوضاعهم ليست كما يرام، ويراهنون على النقابة في تحسين أحوالهم وظروف المهنة".
واعتبر عبد الحفيظ أن هذا "التحول في المشهد الانتخابي قد يشكل بداية لمرحلة جديدة في عمل النقابة وعلاقتها بمختلف الأطراف، ويؤكد رغبة الجماعة الصحفية في عودة هذا الكيان لممارسة دوره النقابي دون أي تنازلات وتعزيز دور النقابة في المشهد العام".
وبشأن نجاح البلشي في تجاوز عقبة وعود بدل الصحفيين (أجور الصحفيين) البالغ نحو 80 دولارًا، أوضح عبد الحفيظ أن "زيادة البدل انتقلت في الدورات الأخيرة من ورقة انتخابية إلى استحقاق نقابي بغض النظر عن النقيب المرشح".
أولويات
وكان لشخصية البلشي "الإنسانية" تأثير كبير في هذا الإقبال "القياسي"، وهو ما انعكس بوضوح في حرص الزملاء على دعمه وتجديد الثقة فيه -حسب عبد الحفيظ- إضافة إلى الأداء المتميز لمجلس النقابة الحالي وحالة الانسجام والتوافق الكبيرة التي جمعت بين أعضائه.
وفي ما يتعلق بأولويات الفترة المقبلة، توقع وكيل النقابة عبد الحفيظ تصعيد المطالب المتعلقة بالحريات المهنية وتحسين بيئة العمل بشكل عام، وأبرزها.
- تصعيد المطالب المتعلقة بالحريات المهنية.
- تحسين بيئة العمل بشكل عام.
- استكمال دور النقابة في إطلاق سراح باقي الزملاء الصحفيين المحتجزين.
- إعادة النظر في التشريعات التي قيَّدت العمل الصحفي.
- العمل بجدية لتحسين الأوضاع المعيشية للصحفيين.
- تذليل العقبات أمام حصول الصحفيين على خدمات نقابية أفضل.
التوازن وحضور فلسطين
من جهته، يرى عضو نقابة الصحفيين محمد عبد الشكور أن "المجلس الجديد بقيادة خالد البلشي يواجه معادلة صعبة تتمثل في تحقيق التوازن بين الدفاع عن حرية التعبير وحماية الصحفيين وتحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، وتعزيز دور النقابة في المشهد العام".
ويقول إن فوز البلشي يمثل "بارقة أمل" في تحسين مناخ حرية الصحافة في مصر، خاصة أنه نجح خلال ولايته السابقة في تبنّي سلوك وسطي في العلاقة بين نقابة الصحفيين والمؤسسات الحكومية، وبناء جسور من التعاون في القضايا المشتركة، حيث تجنب الدخول في صدامات مباشرة ولم يشهد مزيدًا من التوتر رغم مواقفه الداعمة للحريات.
وقبيل بدء التصويت في انتخابات النقابة، وقف جموع الصحفيين دقيقة حدادًا على أرواح شهداء الصحافة الفلسطينية، لا سيما ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة، وجددوا رفضهم لتهجير الفلسطينيين.
كما تخلل اجتماع الجمعية العمومية الذي سبق الاقتراع تلاوة بيان باسم الصحفيين وجَّه التحية للشعب الفلسطيني، وأكد دعم الموقف المصري الرافض للتهجير، كما أكدوا تمسكهم بقرارات النقابة السابقة الداعية إلى مقاطعة شاملة لإسرائيل.