اتهمت أحزاب سياسية حكومة السيسي بتجاهل احتياجات العمال الأساسية في توفير حياة كريمة، وذلك بعد إقرارها قانون العمل الجديد الذي يُقنن الفصل التعسفي، ويُضعف ضمانات الاستقرار الوظيفي، واتهمت الحكومة بالانحياز للأثرياء على حساب العمال وخاصة الطبقة الكادحة منهم.

ومنتصف الشهر الماضي، وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون العمل الجديد، وفي وقت سابق من فبراير الماضي، أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقريرًا حقوقيًا رصد فيه ملاحظاته على مشروع القانون، مؤكدًا أنه لا يحقق التوازن المطلوب بين حقوق العمال وأصحاب الأعمال، رغم بعض التحسينات التي تضمنها.

وكانت دار الخدمات النقابية أصدرت ورقة بحثية بعنوان «موقفنا بشأن الصياغة النهائية لمشروع قانون العمل الجديد» تناولت فيها أبرز ملاحظاتها على القانون، مؤكدة أن التعديلات التي أُدخلت لا تعالج المشكلات الجوهرية التي يعاني منها العمال، بل تُبقي على السياسات القديمة نفسها بصيغ جديدة.

ورصدت الدار وهي منظمة مهتمة بشؤون العمال، أهم النقاط الخلافية التي تضمنها القانون، في غياب الأمان الوظيفي، واستمرار مواد تسمح بفصل العمال وفقًا لرؤية صاحب العمل دون ضوابط واضحة، وتقليص نسبة العلاوة الدورية من 7 إلى 3 في المئة فقط، ما يؤدي إلى تآكل دخل العمال في ظل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن عيد العمال يحل هذا العام في ظل تحديات غير مسبوقة تواجهها الطبقة العاملة، وسط أزمة رأسمالية متفاقمة بدأت منذ 2008 وازدادت حدّتها مع الأزمات المتلاحقة، من جائحة كورونا، إلى الحروب المتصاعدة، مرورًا بصعود اليمين العالمي، ووصولاً إلى الحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي وصفها البيان بأنها «حرب إبادة» تجري تحت غطاء أمريكي وتواطؤ غربي واسع.

 

قانون العمل

وسلّط الحزب في بيان الضوء على ما اعتبرها «سياسات داخلية منحازة للأثرياء على حساب الغالبية الكادحة»، منتقدًا بشدة قانون العمل الجديد الذي أقرّه البرلمان مؤخراً بناءً على مشروع مقدم من وزارة القوى العاملة.

ورأى الحزب أن القانون يُقنن الفصل التعسفي، ويُضعف ضمانات الاستقرار الوظيفي، ويوسّع من نفوذ شركات التوظيف الوسيطة التي تستغل العمال، كما أنه يستثني فئات واسعة من الحماية القانونية، ويُقيد الحق في التنظيم النقابي، لا سيما بعد تفكيك النقابات المستقلة.

ولفت إلى أن القانون الجديد يتجاهل حقوق العمالة غير المنتظمة، ويخفض الزيادات السنوية للأجور بطريقة لا تتناسب مع معدلات التضخم، في وقت تفقد فيه الأجور قيمتها الشرائية، وسط ارتفاع جنوني للأسعار وغياب شبه تام لأي مظلة حماية اجتماعية حقيقية.

وأضاف أن هذه السياسات تأتي في مناخ اقتصادي تتآكل فيه قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة، بينما تتسع الفجوة بين العمال وأصحاب الامتيازات.

وجدد رفضه الكامل لقانون العمل الجديد، مطالبًا بتشريع بديل يضمن الأمان الوظيفي والحد الأدنى للأجور بما يحفظ كرامة العامل، ويوفر الحق الكامل في التنظيم والإضراب والمشاركة النقابية.

كما دعا إلى استعادة الدولة لدورها في حماية الصناعة الوطنية، ووقف تصفية الشركات العامة، وتحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية، وربط الأجور والمعاشات بمعدلات التضخم لا بمبالغ ثابتة، فضلاً عن ضرورة شمول القطاع غير المنظم بالحماية الاجتماعية ووقف سياسات تقليص الدعم.

 

ثلاثة مطالب

بالتزامن، أكد الحزب المصري الديمقراطي، أنه «في قلب معركة مستمرة من أجل الحق في العمل اللائق، والأجر العادل، والحماية الاجتماعية».

وأضاف في بيان «ندرك حجم التحديات التي تواجه العامل المصري، من تراجع قيمة الأجور، وتآكل الحماية التأمينية، وتقلص فرص العمل المنظم، وارتفاع نسب التشغيل غير الرسمي».

وطالب بإصلاح سوق العمل، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وربط التعليم الفني باحتياجات الاقتصاد، إلى جانب دعم بيئة تشريعية تحترم حرية العمل النقابي وتكفل استقلاله، قائلاً إن «ما يحتاجه العمال في مصر ليس خطبًا، بل شراكة حقيقية في صياغة المستقبل، وهذا ما نسعى إليه».

في الموازاة، أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورقة سياسات، أبرز فيها جملة من الإشكاليات الهيكلية التي تعاني منها منظومة الأجور في مصر، بدءًا من غياب مؤشرات شاملة، مرورًا بضعف الرقابة على تطبيق الحد الأدنى، وانتهاءً بتفاوتات كبيرة جغرافيًا وقطاعيًا. كما تُسلط الضوء على معوقات قانونية، أبرزها التعريف غير الدقيق للأجر في التشريع المصري، والذي يؤدي إلى تضليل السياسات الاقتصادية المرتبطة بتوزيع الدخل، حسب الورقة.

 

منظومة الأجور

وطرحت الورقة الحاجة المُلِحّة لاعتماد مؤشر حقيقي للأجور -لا يكتفي بقياس المتوسطات الاسمية، بل يُراعي التغير في الأسعار والقدرة الشرائية كأداة مركزية في تقييم أثر السياسات العامة، وتوجيه الدعم، وضمان الحد الأدنى للأجور بشكل فعّال.

وتُبرز الورقة جملة من الإشكاليات الهيكلية التي تعاني منها منظومة الأجور في مصر، بدءًا من غياب مؤشرات شاملة، مرورًا بضعف الرقابة على تطبيق الحد الأدنى، وانتهاءً بتفاوتات كبيرة جغرافيًا وقطاعيًا. كما تُسلط الضوء على معوقات قانونية، أبرزها التعريف غير الدقيق للأجر في التشريع المصري، والذي يؤدي إلى تضليل السياسات الاقتصادية المرتبطة بتوزيع الدخل.

وتقترح الورقة إنشاء وحدة تحليلية مستقلة داخل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تُعنى بإصدار مؤشر دوري للأجور الحقيقية، وربط هذا المؤشر بالموازنات العامة، إلى جانب إصلاحات تشريعية تشمل إعادة تعريف الأجر، وتوسيع نطاق بيانات الأجور لتشمل القطاع غير الرسمي.

الحق في الإضراب

كما تناولت كيف تم فرض قيود مشددة على ممارسة الحق في الإضراب، بما يحرم العمال من إحدى أبرز أدواتهم في الدفاع عن حقوقهم، وكيف استبعد القانون عاملات المنازل من نطاق تطبيق القانون، ما يُعد تمييزا صارخًا ضد فئة واسعة من العاملات.

ولفتت إلى تقنين أوضاع وكالات الاستخدام، التي تمثل خطراً على استقرار العمال وتؤدي إلى استقطاع جزء من أجورهم.

وقالت في بيان أعلنت فيه رفضها لإقرار القانون: بينما كانت تُرفع الأيادي داخل قاعة البرلمان لإقرار القانون، كانت أصوات العمال في الخارج تُطرح في التساؤل: لمن كُتب هذا القانون؟ ولماذا لم يُمنح أصحاب الشأن فرصة للمشاركة في صناعته؟. وأكدت الدار أن تمرير قانون بهذه الأهمية دون حوار حقيقي أو مشاركة فعلية من العمال، يعكس خللاً في فلسفة التشريع ويطرح علامات استفهام حول مدى التزام الدولة بحقوق من يعملون في صمت، ويحمون الاقتصاد بعرقهم اليومي.