بحسب موقع ميدل إيست آي، بعد مرور 18 شهراً على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطاباً أمام المجلس المركزي الفلسطيني أثار الانتباه ظاهرياً، لكنه في جوهره جسّد فشله المتكرر في توحيد الصف الفلسطيني.

أشار عباس إلى حجم الكارثة الفلسطينية، فحمّل إسرائيل مسؤولية مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني في غزة وما يقارب الألف في الضفة الغربية، وتدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، وتشريد عشرات الآلاف في الضفة. غير أن خطابه لم يركّز على توحيد الصف أو المقاومة، بل انحرف نحو مهاجمة حركة حماس بلغة حادة أشبه بالشتائم، حين قال: "يا أولاد الكلاب، فكّوا الأسرى وخلّصونا".

رغم ضرورة النقد الداخلي، خاصة لأداء حماس وأحداث 7 أكتوبر 2023، فإن تركيز عباس على مهاجمة حماس دون طرح رؤية أو خطة للوحدة الوطنية يثير الاستياء، خاصة في ظل التهديدات الوجودية التي تحيط بالشعب الفلسطيني. الأخطر من ذلك، سعى عباس إلى تزييف التاريخ للتنصل من مسؤوليته عن تفكك الحركة الوطنية الفلسطينية، إذ كان من رفض نتائج انتخابات 2006، التي فازت فيها حماس، وأدى ذلك لاحقاً إلى الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة.

تحمّل عباس قدراً كبيراً من المسؤولية عن هذا الانقسام، سواء من خلال قبوله بإجراء انتخابات لم يكن مستعداً لاحترام نتائجها، أو بإصراره على عدم الاعتراف بتلك النتائج. وقد قاطعت فصائل عدة، كالجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية، الجلسة التي ألقى فيها عباس خطابه، ما يعكس عمق الانفصال بينه وبين طيف واسع من الحركة الوطنية.

في استطلاع للرأي أُجري في سبتمبر 2024، لم يحظَ عباس إلا بنسبة 6% من نوايا التصويت، مقارنة بـ32% لمروان البرغوثي و31% ليحيى السنوار. رغم محاولاته تحميل حماس مسؤولية الانقسام، فإن نحو عقدين مرا دون انتخابات، بينما واصلت إسرائيل، خصوصاً بقيادة نتنياهو، استغلال الانقسام لعرقلة قيام الدولة الفلسطينية.

يفشل عباس في تقديم خطة سياسية للمصالحة الوطنية، ما يثير تساؤلات حول جدوى استمرار السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية. الوضع الفلسطيني اليوم يشهد انقساماً ثلاثياً: بين مناطق 48 والضفة الغربية وغزة، في وقت تواصل فيه إسرائيل تهويد الأرض وتفكيك الحلم الفلسطيني.

عباس تجاهل في خطابه واقع الاحتلال قبل 7 أكتوبر، متغافلاً عن إعلان إسرائيل نواياها بشأن ضم الضفة وتهجير سكانها. ففي 2022 فقط، هجّرت إسرائيل أكثر من 1000 فلسطيني وقتلت نحو 150، وسط توسع استيطاني متسارع وتدهور أوضاع الأسرى وتهديد متزايد للمسجد الأقصى.

رغم التنسيق الأمني القائم بين السلطة وإسرائيل، لم يقدم عباس أي استراتيجية للتصدي لعنف المستوطنين، بينما تواصل إسرائيل المضي بخطة تهجير جديدة، كما جاء في وثيقة 2017 لبتسلئيل سموتريتش، الداعية لتفكيك المخيمات ودفع الفلسطينيين إلى "الهجرة الطوعية" ومنع قيام أي كيان متصل جغرافياً.

اليأس الذي يتفاقم في الضفة الغربية اليوم هو ثمرة سياسة مدروسة سابقة لـ7 أكتوبر، ويعكسها انتشار عبارات مثل "لا مستقبل لكم في فلسطين" على جدران المدن.

الخطاب الذي ألقاه عباس يأتي في لحظة كان يفترض أن تكون حاسمة لتوحيد الصفوف، لكنه اختار بدلاً من ذلك الهجوم والانكار. اقتراحه تسليم غزة للسلطة الفلسطينية، رغم رفض إسرائيل لذلك علناً، بدا منفصلاً عن الواقع. فنتنياهو صرح مراراً بأنه لا مكان لحماس أو السلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، وعبّر عن التزامه بخطة ترامب لتغيير واقع القطاع.

عباس، بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، الجهة المعترف بها كممثل للشعب الفلسطيني، لم ينجح في الحفاظ على وحدة الحركة الوطنية. مقاطعة المجلس المركزي من قبل فصائل أساسية تعكس عمق الأزمة.

في ظل خطر التهجير الجماعي في غزة والضفة، يحتاج الفلسطينيون إلى قيادة موحدة تواجه الاحتلال والجرائم الإسرائيلية، لا إلى خطاب تقسيمي يعمّق الانقسام.

https://www.middleeasteye.net/opinion/palestine-mahmoud-abbas-utterly-failed-show-leadership-moment-crisis