رغم خطوة البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات، إلا أن قطاعًا واسعًا من رجال الأعمال المصريين يرون أن القرار لا يرقى إلى طموحاتهم، ولا يمثل نقطة تحوّل في مناخ الاستثمار المكبل بأسعار تمويل مرتفعة وتحديات اقتصادية متراكمة.
بينما تحاول الحكومة منح القطاع الخاص دورًا أكبر في قيادة النمو، تصطدم هذه المساعي بجدار من القيود المالية والبيروقراطية وضعف الحوافز، وهو ما يبرز في انتقادات رجال أعمال وممثلين عن قطاعات اقتصادية مختلفة، وصفوا خلالها قرار خفض الفائدة بأنه "غير كافٍ" ولا يشجع على التوسع أو الاقتراض بالشكل المطلوب.

خفض محدود... وتطلعات أكبر
في نهاية مارس الماضي، خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 225 نقطة أساس، ليهبط سعر عائد الإيداع لليلة واحدة إلى 25%، وسعر الإقراض إلى 26%، وذلك في أول تحرك نزولي منذ سنوات، بعد دورة تشديد نقدي شديدة لمواجهة التضخم وانخفاض العملة.

لكن بالنسبة لكثير من رجال الأعمال، فإن هذا الخفض لا يزال متواضعًا. يقول أحمد بدر الدين، رئيس مجلس إدارة مستشفيات كليوباترا، إن القرار "لن يُحدث تأثيراً ملموساً"، موضحًا أن "أسعار الفائدة لا تزال عند مستويات مرتفعة للغاية"، تجعل من الصعب الاعتماد على التمويل المصرفي في توسعة الأعمال أو إطلاق استثمارات جديدة.

وأكد بدر الدين أن المركزي المصري لا يزال يواجه معادلة معقدة بين كبح التضخم، واستقرار العملة، ودعم النمو، لكنه في النهاية يحتاج إلى إرسال إشارات أوضح لمجتمع الأعمال.

مطلب بخفض أكبر... حتى يبدأ التغيير
طارق زكي، مدير عام شركة ترافكو للسياحة، لا يختلف كثيرًا في تقييمه. حيث يرى أن الخفض الأخير "ضئيل"، وأن الشركات تحتاج إلى خفض لا يقل عن 5% حتى تبدأ فعليًا في التوسع واقتراض رؤوس الأموال لتنفيذ مشروعات جديدة.

وأضاف زكي: "القرار الحالي غير كافٍ لإحداث فارق حقيقي في حركة الاقتصاد، ونحتاج إلى سلسلة خفض تدريجية تقودنا إلى مستويات أكثر تنافسية".

يتقاطع هذا الموقف مع بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن "إس آند بي غلوبال"، الذي أظهر انكماشًا في نشاط القطاع الخاص غير النفطي خلال مارس، مع تراجع المؤشر إلى 49.2 نقطة، بعد شهرين من التوسع الضعيف.

آمال في رؤية واضحة وخفض متتابع
من جانبه، شدد عمرو أبو عيش، الرئيس التنفيذي لشركة مسيرة القابضة، على أن أهمية الخفض لا تكمن فقط في رقمه، بل في مدى وضوح استراتيجية البنك المركزي للفترة القادمة، فالمستثمرون لا يستطيعون اتخاذ قرارات توسعية بناءً على خفض وحيد، دون وجود تصور طويل الأجل للسياسة النقدية.

وقال أبو عيش: "مناخ الاستثمار بحاجة إلى مؤشرات متتابعة، تمنح الثقة للمستثمر في جدوى التمويل، وتُسهم في بناء توقعات مستقبلية دقيقة".

القطاعات المستفيدة: العقارات والتمويل الاستهلاكي في المقدمة
رغم الانتقادات، يرى بعض رجال الأعمال أن الخفض الأخير يحمل إشارات إيجابية. إذ يعتبر حسام حسين، المدير المالي لمجموعة راية القابضة، أن القرار خطوة أولى نحو سلسلة تخفيضات قد تصل إلى 600 نقطة أساس خلال 2025، مما سيساعد على إنعاش الاقتصاد، وتخفيف عبء التمويل على الشركات.

وأوضح حسين أن خفضًا بمقدار 1% في سعر الفائدة يمكن أن يقلل تكلفة الفوائد على شركة بحجم "راية" بحوالي 140 مليون جنيه سنويًا، وهو رقم كبير ينعكس مباشرة على القدرة التنافسية للأسعار، خاصة في سوق يشهد ارتفاعًا مستمرًا في تكلفة الإنتاج.

بدوره، يرى ياسين منصور، رئيس شركة بالم هيلز للتعمير، أن القطاع العقاري سيستفيد كثيرًا من خفض الفائدة نظرًا لاعتماده الكبير على خطط السداد طويلة الأجل. وأضاف: "إذا واصل التضخم الهبوط، قد نشهد خفضًا إضافيًا للفائدة إلى 20% بنهاية العام، وهو ما سيفتح الباب أمام خيارات تمويل مؤجلة، مثل التوريق".