هدمت السلطات المصرية مسجد محمود باشا الفلكي، الواقع داخل مقابر الإمام الشافعي في القاهرة القديمة، في خطوة أثارت غضبًا واسعًا بين خبراء التراث وسكان المنطقة.
المسجد، المعروف بقيمته المعمارية والروحية، شكّل جزءًا من مجمع جنائزي يعود إلى القرن التاسع عشر ويحتوي على قبر الجغرافي الشهير محمود باشا الفلكي. ووفقًا لخبراء يرصدون ما يتعرض له تراث القاهرة الجنائزي، وقع الهدم بعد منتصف الليل دون إعلان مسبق أو فرصة للتدخل.
قال باحث تراثي لموقع "مدى مصر": "استخدمت الجرافات في الإزالة، ولم تُثبت أي سقالات حول القبة، فكيف نُقلت بطريقة علمية؟".
تتواصل مشاريع التنمية الحضرية في العاصمة المصرية على نطاق واسع، وتستهدف مواقع تراثية لا تُقدّر بثمن. وتُعد مقبرة الإمام الشافعي، المعروفة أيضًا بـ"مقبرة الباشوات"، واحدة من هذه المواقع المهددة، رغم مكانتها التاريخية واحتوائها على قبور نخبة من الشخصيات الثقافية والسياسية.
أوضح سكان وباحثون أن السلطات أبلغت الأهالي بعد عيد الفطر مباشرة بأن قبورهم ومساكنهم ومحالهم التجارية ستُزال.
قال أحد حراس المقابر: "وضعوا إشارات على عدد كبير من القبور والمنازل والمقاهي والورش، وأخبرونا: سيتم نقلكم وستُعوَّضون".
حددت الحكومة مقابر الروبيكي في مدينة العاشر من رمضان كموقع بديل للدفن، ما يبعد السكان عن المركز التاريخي والروحي للقاهرة.
مقبرة باب النصر: ذاكرة التعددية مهددة
لم تقتصر الإزالات على مجمع الإمام الشافعي. مقبرة باب النصر، أقدم مدفن جماعي في القاهرة، طالتها أيضًا الجرافات. بدأت السلطات في إزالة 120 مترًا مربعًا على طول شارع بنهاوي، رغم وعود سابقة بعدم توسيع نطاق الهدم.
في العام الماضي، أزيلت 130 مترًا مربعًا لبناء موقف سيارات قرب فندق جديد شيدته طائفة البُهرة. الإزالات الجديدة طالت قبورًا تعود لعائلات صوفية وسكان الطبقة العاملة والمجتمعات المهاجرة في القاهرة التاريخية.
قالت المؤرخة سالي سليمان: "هذه المقبرة هي المدفن الرئيسي لأهالي القاهرة التاريخية منذ القرن العاشر. تضم قبور تجار شاميين، ومتصوفة، وحرافيش، وشخصيات أخرى لا تُعد".
أضاف أحد علماء الآثار لموقع "مدى مصر": "نشهد زوال التاريخ مباشرة".
حظر الدخول والصمت الرسمي
فرضت قوات الأمن قيودًا صارمة على دخول مواقع المقابر، ومنعت الباحثين من التصوير أو التوثيق. وتعرض حراس المقابر لتهديدات بالملاحقة القانونية إن تواصلوا مع الصحافة.
تحدث سكان عن تنفيذ الإزالات ليلًا تحت أضواء كاشفة، بعيدًا عن أنظار العامة. ولجأ نشطاء التراث إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق ما تبقى من هذه المواقع، مثل قبة الفلكي وقبور بدرواي باشا، وعبد الرحيم صبري باشا، وشخصيات أخرى تنتمي إلى التاريخ الثقافي والملكي لمصر.
أثارت هذه التطورات قلقًا بالغًا بشأن التزام الدولة بالحفاظ على التراث الثقافي، وسط تسارع عمليات إعادة تشكيل وجه القاهرة على حساب ذاكرة تمتد قرونًا.
https://www.newarab.com/news/egypt-demolishes-historic-mahmoud-pasha-al-falaky-cairo-mosque