يسير الأطفال حفاة بين الأنقاض، حاملين إخوتهم الصغار، متشبثين بما تبقى من عائلاتهم. لا يوجد أمان في غزة، فقط حركة دائمة: فرار، دفن، فرار مجددًا، بينما تلاحقهم القنابل والدبابات والطائرات المسيرة.
رأينا وجوههم؛ بعضهم مغطى بالرماد، مذهولون بلا دموع، بينما يصرخ آخرون بأسماء لن تجيب أبدًا. بعضهم فقد حتى أسماءهم، ولم يتبقَ لهم سوى أرقام مكتوبة على أذرعهم، ليتعرف عليهم أحد إذا ماتوا.
وفي هذا الشهر، قُتل حوالي 200 طفل في قصف إسرائيلي منسق، بينما كانوا نائمين في بيوتهم وخيامهم. لم يكن ذلك في معركة، ولم يكن خطأً. وعندما سئلت السفيرة الإسرائيلية في المملكة المتحدة عن المجزرة، لم تعتذر أو تظهر أي أسف، بل كررت الرواية المعتادة عن "حماس" و"الدروع البشرية" و"الدفاع عن النفس".
إستراتيجية الإبادة
تُصوّر وسائل الإعلام الإسرائيلية القتلى الفلسطينيين بأنهم "إرهابيون"، دون ذكر أسمائهم أو أعمارهم، مما يسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجيشه بمواصلة القتل دون مساءلة. ومنذ أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 18 ألف طفل فلسطيني، ولا يزال كثيرون تحت الأنقاض.
إلى جانب القصف، يُستخدم التجويع كسلاح آخر. في غزة، يعاني 30% من الأطفال دون السنتين من سوء التغذية الحاد. ومع نقص المستشفيات والأدوية والمياه النظيفة، يموت الأطفال ليس فقط بالقنابل، ولكن أيضًا بالجوع والمرض. في ظل هذه الظروف، يخضع 10 أطفال يوميًا لعمليات بتر الأطراف دون تخدير. أصبحت غزة تضم أكبر عدد من مبتوري الأطراف الأطفال في العالم.
أطفال بلا مستقبل
في الضفة الغربية، يواجه الأطفال الفلسطينيون الاعتقال والقمع. كل عام، يُعتقل 500 إلى 700 طفل فلسطيني، بعضهم لا يتجاوز 12 عامًا، بتهم مثل "رمي الحجارة". يُؤخذون من منازلهم ليلاً، مقيّدي الأيدي ومعصوبي الأعين، ثم يُحقق معهم دون محامين أو أسرهم.
أصغر طفل فلسطيني معتقل إداريًا هو مؤين صلاحات (14 عامًا)، محبوس دون تهمة أو محاكمة، ويجدد اعتقاله إلى أجل غير مسمى بناءً على "أدلة سرية".
إبادة متعمدة
هذه السياسة ليست جديدة. في الانتفاضة الأولى، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق رابين بكسر عظام الأطفال، واليوم استُبدلت الهراوات بالصواريخ والفوسفور الأبيض. لا يقتصر الاستهداف على القتل، بل يمتد إلى طمس الهوية.
حتى في "أوقات السلم"، لم يتوقف قتل الأطفال. في 2015، أحرق مستوطنون منزل عائلة دوابشة، مما أدى إلى مقتل الرضيع علي (18 شهرًا). لاحقًا، احتفل مستوطنون في حفل زفاف بطعن صورته.
على مدار العقود، استُخدمت لغة تحريضية لنزع الإنسانية عن الأطفال الفلسطينيين. وصفهم سياسيون إسرائيليون بـ"الإرهابيين" منذ ولادتهم، مما يبرر قتلهم. وقد اعتبرت الأمم المتحدة أن قتل الأطفال في غزة يشكل "انتهاكًا خطيرًا نادرًا ما يُرى في التاريخ".
الحرب على المستقبل
إسرائيل لا تقتل الأطفال فحسب، بل تحاول القضاء على مستقبلهم. تم تدمير أكثر من 80% من مدارس غزة، وتحولت الملاعب إلى حطام. ومع ذلك، لا يزال الأطفال الفلسطينيون يقاومون: يلعبون بين الركام، يبتسمون رغم الدموع، ويرسمون بيوتًا لم تعد موجودة.
رغم العقود من القتل والتهجير، لم ينسَ الفلسطينيون قراهم أو حقوقهم. وكما قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير: "سيموت الكبار، وسينسى الصغار". لكنهم لم ينسوا. بل ورثوا المفاتيح والخرائط والحق في العودة. ولهذا، تراهم إسرائيل "تهديدًا" يجب القضاء عليه. لكن طالما أن هناك أطفالًا فلسطينيين، ستظل فلسطين حيّة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-waging-war-palestinian-children-why