اجتمع ملوك ورؤساء الدول العربية في القاهرة يوم الثلاثاء في قمة غير عادية، ليست كغيرها من القمم المليئة بالبيانات الفارغة والوعود المتكررة.
كانت لحظة مواجهة مع الذات: هل لا تزال الدول العربية تملك القدرة على الرفض، أم أنها فقدت إرادتها تمامًا؟
خطة التهجير القسري ومخطط "اليوم التالي"
في قلب القمة كانت هناك خطة وُصفت بأنها "مروّعة"، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين القسري من غزة، وتحويلها إلى منطقة "مسالمة" تُمحى منها آثار أصحابها الشرعيين.
هذه الرؤية وُلدت في غرف التخطيط بتل أبيب وحظيت بدعم واشنطن، ولكن لتحقيقها كان لا بد من موافقة عربية.
انعقدت القمة في ظل انقسام عربي واضح. قبلها بأيام، اجتمع قادة خليجيون في الرياض مع مصر والأردن، لكن الجزائر استُبعدت، مما دفع رئيسها عبد المجيد تبون إلى مقاطعة قمة القاهرة وإرسال وزير خارجيته بدلًا منه.
كما غابت السعودية والإمارات، حيث اشترطتا تحييد حماس سياسيًا وعسكريًا للمشاركة في إعادة إعمار غزة.
أبدت الإمارات، على وجه الخصوص، دعمها لرؤية ترامب، مما أظهر انقسامًا عربيًا واضحًا حتى قبل بدء القمة.
الخطة العربية البديلة
في مواجهة المخطط الأمريكي الإسرائيلي، طرحت القمة خطة من ثلاث مراحل لإعادة إعمار غزة:
-
المرحلة الأولى (6 أشهر) هي إزالة الأنقاض والمخلفات
-
والمرحلة الثانية هي بناء البنية التحتية في رفح والمناطق الجنوبية
-
والمرحلة الثالثة هي إعادة إعمار المناطق الوسطى والشمالية.
لكن التحدي الأكبر لم يكن إعادة الإعمار فحسب، بل تحديد من سيتولى حكم غزة في المرحلة الانتقالية.
اقترحت القمة تشكيل لجنة إدارية مؤقتة إلى أن تتسلم السلطة الفلسطينية زمام الأمور.
رفض عربي حذر وضغوط أمريكية وإسرائيلية
على الرغم من رفض بعض الدول العربية للتهجير العلني للفلسطينيين، فإن موقفها لم يكن نابعًا من مبدأ، بل من الخوف على استقرارها.
فالتسبب بموجة جديدة من اللاجئين قد يزعزع التوازنات الداخلية لتلك الدول.
لكن في المقابل، لم تُبدِ هذه الدول رفضًا قاطعًا لخطة "اليوم التالي"، التي تهدف إلى إعادة تشكيل غزة سياسيًا واقتصاديًا بطريقة تضمن السيطرة الإسرائيلية على هويتها المستقبلية.
واشنطن وتل أبيب ترفضان الخطة العربية
كان الرد الأمريكي والإسرائيلي سريعًا. وصف البيت الأبيض الخطة العربية بأنها "غير واقعية"، فيما أكدت تل أبيب التزامها برؤية ترامب، التي تسعى إلى تحويل غزة إلى كيان منزوع السيادة، إما عبر التهجير أو عبر فرض ظروف معيشية تجعل البقاء فيها مستحيلًا.
بذلك، ضاق هامش المناورة أمام الدول العربية. الرسالة كانت واضحة: أي إعادة إعمار يجب أن تتم وفقًا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية، وليس بشروط عربية.
محكمة التاريخ
رغم 15 شهرًا من الحرب على غزة، لم تحقق إسرائيل أهدافها الكاملة. لكنها تتبع نهجًا مختلفًا (ما لا تستطيع فرضه بالقوة، تحققه عبر الدبلوماسية، وما لا تفرضه بمفردها، تدفع الدول العربية إلى فرضه نيابة عنها).
أظهرت القمة مدى ضعف الأنظمة العربية، التي لم تكن مطالَبة بشن حرب، بل فقط برفض مخطط يهدف إلى إنهاء السيادة الفلسطينية، لكنها لم تستطع الصمود.
رفضت التهجير بالكلام، لكنها فتحت الباب لخطة إعادة إعمار تهدف إلى تحييد غزة سياسيًا، مما يُعد شكلاً آخر من أشكال المحو التدريجي.
هذه الأنظمة، التي تعتمد في بقائها على دعم خارجي، وجدت نفسها مرة أخرى تدور في فلك واشنطن، متظاهرة بالرفض بينما تترك الأبواب مفتوحة أمام المخططات المفروضة عليها.
لكن في النهاية، سيحكم عليها التاريخ. القضية الفلسطينية كانت دائمًا مقياس الشرعية في العالم العربي، والتخلي عنها هو تفريط بما تبقى من مصداقية هذه الأنظمة.
الزمن قد يمر، لكن الشعوب لا تنسى، والغضب صبور، والتاريخ لا يرحم.
https://www.middleeasteye.net/opinion/cairo-summit-gaza-plan-us-israeli-rejection-moment-truth