د. أحمد السعيد
أعلنت جبهة إفساد مصر بيانات وتصريحات متعاقبة لها دلالات واضحة على الحسرة الفائقة بسبب فشل ماكانت ترنو إليه من تحويل ذكرى ثورة 25 يناير إلى بانوراما الإطاحة بالديمقراطية الأولى التى يحياها المجتمع المصرى بل وجعله يوم الإحتفاء المارثونى لإنتهاء الدولة الإخوانية المزعومة. وتستشعر من هذه البيانات وتلك التصريحات الهزلية أن الجبهة تعيش حالة من فقدان الوعى واللاشعور بسبب ضعف البنيان الجسمانى لها مع ضعف كينونته فى أوساط الشارع الإنتخابى المصرى على رغم من الإمكانيات المادية والإعلامية واللاأخلاقية الهائلة التى يمتلكها قادة وأذناب هذه الحركة الإنقلابية.
ومن المفيد أن يتم وصف حالة جبهة الإفساد بشكل علمى وواقعى قبل أن نحلل بياناتهم وتصريحاتهم. وبناءاً على ذلك يمكن القول بأن الجبهة تتشابه مع بعض صفات كائن دقيق يسمى الأميبا, فهو كائن إنقسامى إنشطارى ينقلب على نفسه ليُكَوِنْ أميبيات متعددة من داخل كيانه وذاته, وكذلك هو الحال بداخل هذه الجبهة فهى منقسمة على بعضها البعض فتارة تُعلن التصريحات الإنقلابية من بعض رموزها فيتبرأ البعض الآخر منها, وتارة يرفض بعض أعضاءها المكونات الداخلية الفلولية المسيئة للخلق والمبادىء والسمعة ولكن سرعان مايعود الوضع كما كان عليه "وتعود ريمه لعادتها القديمة" تحت شعار "أنا والفلول إيد واحدة", لذا يتم الغليان والفوران الداخلى بالجبهة على مدار الساعة بشكل ينذر بإنفجار قريب ولاسيما مع قرب موعد الإنتخابات البرلمانية. ومن المعلوم علمياً أن الأميبا كائن لايمكنه الحياة إلا بداخل البرك والمستنقعات, وكذلك جبهة الإفساد المصرى لايمكنها الحياة إلا من خلال المؤامرات والتخريب والبلطجة السياسية والبلطجة الجنائية التى تشعل الحرائق فى الوطن وترهن مستقبله إلى المجهول إن لم يكن إلى السقوط المحقق والضياع المهلك والفشل المطبق. كما أنه ثبت بحثياً أن الأميبا لاتأخذ شكلاً منتظماً يمكن وصفه أوتعينه, وكذلك جبهة الإفساد المصرية تتميز بأنها غير منتظمة المحتوى وغير متوحدة الأهداف وغير متسقة مع بعضها البعض فى الرؤى والتوجهات والأيديولويجيات. لذا تجد أن الإشتباكات المتتالية بين أعضائها هى من سماتها الرئيسية, والمتاجرة بدم الشهداء هى من أخلاقها الغير سوية, والإنتهازية للمواقف والجماهير والقوى الشعبية - كالألتراس – هى من صفاتها الأساسية, وإطلاق الشائعات والأكاذيب وتهويلها هى من وسائلها الرخيصة, وإعطاء الغطاء السياسى للتخريب والحرق والتدمير هى من أساليبها السياسية الفاسدة, ولتراجع تاريخ الجبهة المخزى منذ نشأتها حتى يومنا هذا لتعلم صدق التوصيف ودقة الوصف.
وبالعودة للبيانات والتصريحات الكوميدية للجبهة يمكن إستخلاص التالى:
1. لقد فشلت الجبهة فى حشد الدعم الجماهيرى على الرغم من الإمكانيات الهائلة المذكورة فى مقدمة المقال, لذا تحاول هذه الجبهة جاهدة للوصول إلى أهدافها الغير شرعية من خلال حشد أقليتها بشكل دائم ومتتالى لعلها أن تصل إلى الفوضى والإنقلاب بعد الفشل الذريع فى جميع الإنتخابات والإستفتاءات الماضية.
2. إن طلب الجبهة لتقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين هو طلب سىء من جبهة أسوء ليس لها من غطاء شرعى أوقانونى. ويمكن للبعض أن يقول أن الجبهة عبارة عن تحالف سياسى جائز, ولكن من يتحجج بذلك لايعى أن التحالف السياسى مقبول ومعقول عند موقف سياسى محدد كالإنتخابات, أما أن تكون جبهة واحدة تبنى المواقف السياسية وتتبناها وتتكلم وكأنها جهة سياسية شرعية واحدة على مدى فترات طويلة وعلى مختلف المواقف والأحداث فإن هذا لايمكن ولايُقبل إلا من جهة سياسية تأخذ مسار شرعى وقانونى لكيانها. مع العلم بأن أحكام مجلس الدولة أكدت على قانونية جماعة الإخوان المسلمين ذات القاعدة الشرعية والشعبية التى لاتحلم بها أمثال تلك الجبهات.
3. وأما عن مطالبتها لجماعة الإخوان المسلمين بأن توضح مصادر تمويلها المالى, فهو قول مردود عليه من جبهة غير معلوم مصادر تمويلها الداخلى والخارجى الذى يرفل فى نعيمه قادتها وبلطجيتها فى مختلف أنحاء مصرنا العزيزة. لذا وجب على الجبهة أن تعلن الوارد والصادر من هذه الأموال الوفيرة حتى يعلم الجميع مدى سوء التوزيع الذى يتلقاه بلطجية الحرق والقتل والتخريب والمظاهرات والإعتصامات فى مقابل مايحظى به رموز وقادة هذه الجبهة من نعيم هذه التمويلات اللاحصرية. مع العلم بأن الإخوان أعلنوها مراراً وتكراراً بأن مصادر تمويلهم هى من جيوب أعضائهم النقية والصافية.
4. إن طلب الجبهة بإلغاء الدستور الشرعى الحالى والعودة لدستور 71 إنما هو كأحلام الطالب الراسب فى جميع المواد فى الثانوية العامة والذى يتمنى أن تلغى النتيجة ويعاد الإمتحان مرة أخرى. مع العلم بأن رموز هذه الجبهة هم أنفسهم ممن كانوا يتشدقون بعد الثورة المباركة بضرورة إلغاء دستور 71 السلطوى الفرعونى الخطير والضار بالحالة الديمقراطية التى كانوا ينشدونها للشارع المصرى. ولايخفى علينا أن زمرة هذه الجبهة هم الذين هربوا من مناظرة الجمعية التأسيسية حول بنود وفقرات وصياغة الدستور المصرى الجديد فى فاجعة سياسية مخزية لمن لايملك الحق والحقيقية.
5. إن مطالبات الجبهة بتكوين حكومة وطنية للمرحلة المقبلة يمثل مراهقة سياسية لاتخرج إلا من جاهل أو حاقد أو ذو غرض تخريبى سياسى, إذ أن الحكومة الحالية هى فى حقيقتها حكومة تسيير أعمال لفترة لاتتجاوز الثلاثة أشهر وستعقبها حكومة فعلية تتشكل تحت رعاية وعناية مجلس نواب منتخب من الشعب, ومع العلم بأن رئيس الحكومة القادم مع مجلسى النواب والشورى المنتظرين هم الشركاء الفعليين لرئيس الجمهورية فى إدارة البلاد ومصالح العباد. فالواجب على هذه الجبهة أن تخرج من العقل الجمعى الفاشل والمُفَرِقْ والمشتت إلى العقل الجمعى الفنى والمبتكر والمبدع والمُجَمِعْ الذى يمكن أن يوجد القاعدة الشعبية والجماهيرية بداخل مختلف طوائف وفئات المجتمع حتى تستطيع الفوز فى سباق الإنتخابات وتكوين حكومة تنفذ البرامج والخطط التى تنشدها – إن كانت هناك برامج وخطط -.
6. وبخصوص النائب العام, فإن الجبهة تتناقض مع نفسها وتغير لونها بما يخدم أهدافها التخريبية واللاأخلاقية. فبعد أن كانت إزاحة النائب العام السابق هو من أهم مطالب مابعد الثورة إلا أننا نجد الإنقلاب السافر على مطلب الجماهير من خلال رفض الأسلوب السياسى الحكيم الذى عالج به سيادة الرئيس موقف النائب العام السابق الذى بُنىَ على أساس القبول لحل وسط يلبى رغبات الشعب ولايجعل هناك تعنت أو عناد من أى طرف, بل ووصل الأمر إلى توجيه الإدارة السياسية إلى حل أمثل فى شكل إستخدام الحق التشريعى السياسى المؤقت لمؤسسة الرئاسة, وبعد صدور هذا القرار التشريعى الرئاسى الحازم يظهر الخلق الإنقلابى الفاسد بحجة الإعتداء على القضاء وإستقلاله وتظهر الجبهة فى حقيقتها المتلونة والمنافقة سياسياً.
أأمل من قادة جبهة الإنقاذ أن تعى:
1. بأن ساعة الزمن لايمكن أن تعود إلى الوراء,
2. وأن جماهير الأمة أصبحت من الوعى السياسى الذى لايمكن تجاوز فهمه أوتقديره حتى يمكن التعامل معه بالشكل الصحيح, وعليه يجب أن تندرج الأفعال والتصرفات وفقاً لرغبات وتوجهات الشارع الوطنى المصرى.
3. وأن الأطماع السياسية الخبيثة لايمكن أن تتحقق فى وسط الثورات التى صنعها رب العالمين بقدرتة ورعايته,
4. وأن الديمقراطية التى يتشدقون بها تنطلق من صندوق إنتخابات حر ونزيه وملزم لكل الأطراف,
5. وأن الإنقلاب علىى الإرادة التصويتية للشعب إنما هو لعب بنار تحرق من يؤججها ويزيد لهيبها, وهو كمن كمن يلقى بنفسه إلى التهلكة من غير عقل أو عقلانية.
6. وأن الرخاء والرفاهية لهذا البلد الغالى لايمكن أن يتحقق إلا من خلال الإخلاص والأمانة والعمل والتضحية والتجرد, وقبل ذلك وذاك تقوى الله وحسن الصلة به وحسن الإتباع لهدى نبيه صلى الله عليه وسلم " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ "96الأعراف.
_________________
[email protected]

