عبد الجواد شبانة

هيبة الدولة، عبارة يجرى الآن ترديدها على الألسنة، وقد استقر فى الأذهان ادراكا، أنها تعنى سمو مكانة السلطات فى نفوس الأشخاص إلى الحد الذى يجعل المواطن يحترم السلطات القائمة، فيذعن لها، طوعا أو كرها، حبا أو خوفا، مقبلا أو مدبرا.

الدولة المصرية - على مدار عقود طال أمدها - كانت تعمل على ترسيخ هيبتها بالقوانين الاستثنائية ، والمحاكمات امام المحاكم غير الطبيعية ، والاعتقالات، وتلفيق القضايا، والتعذيب ، والأجهزة القمعية، وتزوير الانتخابات، فضلا عن الإمتناع عن تنفيذ أحكام القاضاء، وكان للمعايشة الطويلة من المواطن لتلك الوسائل أن انطبع فى ذهنه أن هيبة الدولة لن توجد إلا بقتل أوسجن أو ابادة الخارجين على القانون، فهناك أصوات الآن تعلو تطالب بفرض هيبة الدولة بأى شكل وبأى وسيلة ، ويرى بعضها أن الرئيس لين أمام الأحداث، وأنه غير قادر على مواجهتها، وأن كل يوم يمضى تنهار هيبة الدولة.

ذهب النبى الى الطائف، فقابل زعماءها الثلاثة، وطلب منهم الإيمان بمشروعه الإصلاحى الإسلامى، وحمايته – وقوفا بجانبه - حتى يبلغها للناس فيسعدون بثمراته، والقيام معه على من خالفه من قومه الذين يعوقون مسيرته، فقال له أولهم: أنه سيمزق ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسله لأنه لايعترف به زعيما للأمة ، وقال له الثانى : أما وجد الله أحدا غيرك يرسله، لأنه يرى أن قدرات النبى تتضاءل أمام المنصب، وقال له الثالث: والله لاأكلمك أبدا، أى يرفض الحوار معه ، فقال النبى – صلى الله ليه وسلم - لهم: اكتموا عنى، فما كان منهم إلا أن أغروا به سفهاءهم من البلطجية وعبيدهم يسبونه شتما ويصيحون به ترويعا له، حتى اجتمع عليه الناس ، وألجؤوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة، وقد ورد أنهم قذفوه بالحجارة لأنه لم يكن عندهم المولوتوف، حتى دميت عقباه وسال دمه على رمال الأرض ، فارتكن الى جوار البستان ، فجاءه جبريل الملك ، ذو القوة والبأس، وقال له: يامحمد إن الله يقول لك : لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، جبلين يحوطان المدينة، حماية لهيبته ، وصونا لمكانته ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: لا، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده.

إن هيبة الدولة فى تصور الاسلام لاتقوم على تصفية الأخر ، ولا الانتقام منه ، ولاظلمه ، ولاالعسف بحق من حقوقه ، بل تقوم على احترام حقوقه وإن تجاوز ، مادام القانون سيطبق، والعدل سيأخذ مجراه ، فإحترام الدولة للقانون هو الذى يقوى هيبتها ولو بدت أمام العالم أنها ضعيفة البطش.

وهاهى قوة الدولة وهيبتها تلوح لنا فى مسلك الرئيس ، يصدر أوامره لسلطات حماية القصر بعدم التعرض للمتظاهرين ، وينهى عن استعمال الغاز المسيل للدموع فى نطاق القصر، على أن يتم ضبط المتجاوز وتسليمه للنيابة ، لأن مصر الآن هى دولة القانون ، وليست دولة الإرهاب ، فالتخريب الموجه ضد الدولة لايقابل بالتخريب ، بل يقابل باحترام القانون.

قد لاتروق تلك المعانى للبعض من المتحمسين على مصالح البلاد العليا – وهم معذورين - فهم يتخوفون من انفلات الأمور ، وضياع هيبة الدولة ، فلهم أقول : لاتخافوا ، ولاتحزنوا، فالله ( لايصلح عمل المفسدين ) فقديما تم التآمر على محمد النبى ، صلى الله عليه وسلم ، هذا النبى الكريم الذى رفض أن يهلك الله قومه ، فقال الله لخصومه ( فإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) لن يسقط الرئيس ، ولن تسقط الدولة ، ولن يسقط الشعب ، وستعز الدولة ، وسيرتفع فى الآفاق علمها ، والله يتولى الصالحين . فلنكن منهم.