حازم سعيد :
لعل علامتي التعجب فى عنوان المقال توضحان لقوي الملاحظة ما أريد أن أعبر عنه فى هذه المقالة ، وخلاصته أنك ترى مواقف لكثيرمن المشاهير علمانيين أو ليبراليين ، أو بلا هوية واضحة ، فلا تستغرب من لغتهم أو نظرتهم للأمور وتقييمهم للمواقف والأشخاص ، أياً كانت درجات التحول أوالتلون أو تباين المواقف والرؤى بعد الثورة عن قبلها .
ولكن بعض هؤلاء تستغرب جداً لدرجة الذهول أن يكون ما تقرأه من أقوال أو كتابات نابعاً من هؤلاء بالذات ، لما كنت تحسبه عنهم من ثقل وزن ( عقلي وثقافي وليس جسماني بالطبع ) .
ومن هؤلاء الكاتب الأديب بلال فضل ، الذي قرأت تدوينة منسوبة له على الفيس بوك ، أنه كتبها على التويتر شبه فيها الإخوان فى درجة الدنو بالحزب الوطني واستخدم فيها لفظ ( الواطي ) مع اعتذاري لقارئي العزيز أشد الاعتذار وأنا هنا مجرد ناقل ، فتتبعت حسابه على التويتر لأصدم بما قرأت ورأيت من كتابات نقدية وصلت لحد وصف الرئيس مرسي بلفظ " عبده العبيط " وما رئيسنا مرسي على النقد بعزيز ، ولكنك سترى أنه نقد ساخر أقرب للشتيمة ، ثم تتبعت مقالات له على جريدة الشروق ، فهالني ما تتبعته .
وليس سر الهول والصدمة هو أنه ينتقدنا ، فهذه تعودنا وتربينا على قبولها فى الإخوان ، ومن أهم أدبياتنا ومرجعياتنا التي نستند إليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة " و " المؤمن مرأة أخيه " و " المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى " . فى نموذج ضمن عشرات بل مئات من الأقوال والمأثورات التي عودتنا على قبول الرأي والرأي الآخر ، وهي حقيقة أعيشها يومياً داخل غرف الإخوان وخارجها ولا أحتاج لأدلل عليها إلا أن أقول لمن يمارى فيها تعالى وعش بيننا يوماً أو أسبوعاً وأنت ترى ما أزعم ، وقيمه بنفسك حقيقةً هو أم خيال ؟
ولكن الذي هالني هو أن يقع مثل بلال فضل - والذي كنت أظنه منصفاً راجح العقل - فيما يقع فيه خفاف الأحلام وضعاف العقول والنهى ، من سرعة فى إطلاق الأحكام وتقعيد القواعد على غير أساس والتعميم ، وأخطرها الشتيمة والبلاغة فى هذه الشتيمة وهي ما يؤسفنى أن أعبر عنها بأنها ألفاظ تقع تحت بند سوء الأدب ليخلط بينها وبين النقد المشروع ، والنصيحة التي هي فى أضعف درجاتها مستحبة إن لم تكن واجبة .
الذي قرأته للكاتب الأديب بلال فضل أزعم أنه يصلح كنموذج ثاني – وكنت تعرضت فى مرات سابقة لكتابات علمانية أخرى لغيره من أمثال الأديب علاء الأسواني – أقول أنه يصلح كنموذج ثاني للكتابة العلمانية غير المنصفة ، أتعرض له بالقراءة والنقد فى نقاط قليلة موجزة أعتبرها بعض وليست كل ما ينبغى أن يشار إليه ، ولكني هنا ألفت النظر لبعض خصائص المنهج العلماني عموماً ، وإلا فأنت ستجد عناوين أخرى لن أتطرق إليها حتى لا تزيد المقالة طولاً من بعد طول ، مثل طرق الاستدلال والشواهد التي ينقلها لتأكيد صحة ما يقول ، لأنني بذلك سوف أؤلف كتاباً وليس مقالة نقدية ، فإلى ما أريد من النقاط :
تيارات الشعارات الإسلامية
على عادة الكتابة العلمانية الليبرالية فى إطلاق ألفاظ سيئة على خصومهم لمخاطبة اللاوعي الجمعي عند القارئ وترسيخ مفهوم سيئ عن فكرة أو نظرية أو مجموعة من الناس ، فينصرف الذهن لا إرادياً للمعني السيئ حين تشير إلى هذه الفكرة أو النظرية أو هؤلاء الأشخاص .
فعلها الأسواني من قبل حين قال " قبل أن تقطعوا أيدينا " فى إشارة إلى تطبيق الشريعة وأنها تعني قطع اليد ، رغم أن هذا الحد لا يكون إلا لمن ارتكب جريمة السرقة ، إلا أن العنوان الصادم السيئ يصرف الذهن ليجعل هناك ما يصح أن تطلق عليها متلازمة قطع اليد والشريعة .
وجدت الكاتب بلال فضل حريصاً على متلازمة أخرى بنفس المعني فى إشارته لفصائل العمل الإسلامي حيث يدمن - في أغلب مقالاته التي تتبعتها – التعبير عنهم بأنهم تيارات الشعارات الإسلامية ، فيما تعنيه دلالة لفظ " الشعارات " السيئة عند العقلاء ، حيث أن هؤلاء مجرد أصحاب شعارات و مجرد كلام فارغ من المضمون ، وأنهم " كلمنجية " ، وأنا هنا لا أقع فى الخطأ الذي يقع فيه السادة العلمانيون من إطلاق النظريات وتقعيد القواعد الوهمية ، ولكن اسأل أي أحد مرتبط بالقراءة أو الثقافة ، ماذا تعني دلالة أن تشير وتؤكد وتوظف لفظ أصحاب الشعارات على فصيل بعينه ، وهل السياقات التي توردها بها تعني مجرد تمييز وتوضيح هوية ، أم أنها تساق فى صورة صادمة وصارفة للذهن إلى الدلالة السيئة والمعني المحقر والمنتقص ، أنا هنا أرضي بحكم وتقييم هذا الأي أحد .
هذا الكلام الذي أسوقه يدلل على طبيعة العقلية التي تتحدث وتورم ذاتها الثقافية وإحساسها بالاستعلاء عمن تصفهم بأنهم تيارات شعارات ، مع أنك أنت نفسك بضاعتك كلها عبارة عن كلام ، سواءاً مقالات ، أو برامج مرئية ، أو قصص ، أو أفلام ... كله كلام .
أما نحن الإخوان ، فمصداقاً لما قاله الإمام البنا رحمه الله : " نحن قوم عمليون " لو أردت أن تقيس الوزن النسبي لفعالنا بجواركلماتنا فستجد أن الكلام قد لا يتجاوز العشرين فى المائة من محصلة حياتنا ... خذ مثلاً هذه المقالة التي أكتبها ، أنا أخصص لها من نصف إلى ساعة واحدة فقط أسبوعية أو كل عشرة أيام ، وما عدا ذلك فلن تجدني أتكلم ، بل ستجدني إما فى قافلة طبية أو معرض خدمة من الخدمات ، أو سعي على حاجة محتاج ، بخلاف عملي المهني الذي أتكسب منه قوت يومي ، ولست هنا أزكي نفسي أو أقصد شخص حازم سعيد ، ولكني أتحدث عن غالب حال الإخوان وغالب أشخاصهم ، ورغم ذلك تزكي أنت نفسك وتنتقصهم وتصفهم أنهم أصحاب شعارات .
بل إن كثيراً من رموزنا الإخوانية التي نحاول استكتابهم - نحن المرتبطين بالعمل الإعلامي بأي صورة من صوره - نعجز عن ملاحقتهم واستكتابهم ، نتيجة كثرة مشاغلهم وحركتهم بين الناس ، رغم ما يملكون من مهارات ولغة وبلاغة وأدب راقٍ لو أرادوا ميدان الكلام ، وهم لا يريدون .
تلك ملاحظة أولى عن النفسية التي تؤثر على منهجية الكتابة عند التيارالعلماني الليبرالي ، والمعركة التي يبدؤها بوصم الآخر بلفظ يعطيك انطباعاً سيئاً صارفاً ومنذ اللحظة الأولى . ولا أحسبه عند البلغاء الأدباء من أمثال الأسواني أو فضل هفوة أو تصرف غير مقصود .
الاستخفاف والسخرية ودلالتها
على نفس المنهج يسير الكاتب الأديب بلال فضل فى جل مقالاته التي قرأتها ، وكل تدويناته على التويتر والتي جاوز ما قرأته منها أكثر من سبعين تدوينة ، وهذه عادتي قبل أي مقالة فى دراسة الحالة أو الشخص أو الموضوع الذي أكتب عنه بصورة شافية .
أقول على نفس المنهج يسير حين يسخر من الرئيس مرسي ومن الإسلاميين فى أكثر من مكان ، حين يتحدث عن عبده العبيط وعبده الغشيم فى إيماءات نحو الرئيس مرسي كلها خاطئة وأسرد فى النقطة التالية إن شاء الله وجه خطئها – فى نظري – ، وأشار فى التويتر إلى رابط للمقالة على جريدة الشروق كتب فى التدوينة : " قرر د. محمد مرسي أن يستخدم للتعامل مع ملف القصاص والشهداء منهجا يشتهر بين الناس بإسم “منهج عبده العبيط ” ثم وضع رابطاً لمقالته بالشروق بعد هذا الكلام ، وأنا نقلت كلامه من التويتر بخطئه اللغوي فى همزة القطع فى لفظ " باسم " كأمانة النقل الحرفي .
وفى مقالة " بأي خلافة يحلمون " يتحدث عن عدم إطلاق الإسلاميين لمشاريع حضارية فيستخدم الجملة التالية الساخرة المستخفة بالرئيس مرسي : " حتى ولو كان مشروعا لإستكشاف النباتات النادرة في الصحراء الغربية لكي نستخرج منها دواءا جديدا، أو مشروعا فضائيا نوظف فيه قدرات الدكتور محمد مرسي المكوكية " الناساوية " .
ولاحظ بالطبع ربطه الرئيس مرسي بالموضوع والحديث عن قدراته والسخرية من الكلام حول ارتباط الدكتور مرسي بوكالة ناسا من عدمه .
ويكتب مقالة تحت عنوان " مولانا التيس " ويكتب تحتها : " ألا ليت اللحى كانت حشيشاً " . ويخاطب الإسلاميين فى أحد تدويناته بالتويتر بقوله : " عزيزي المتطرف : قبل أن تستخدم تعبير أسد في وصف شيخك ، فكر قليلا في مشاعر السيدة والدته " مع ما فى هذا الكلام من الشتيمة البشعة لكل أمهات من يطلق عليهم المتطرفين وباستخدام البلاغة ليصل إلى معنى فى غاية الإسفاف .
ويكتب فى تدوينة للسخرية من المهندس خيرت الشاطر : " قال يابه علمني الشطارة قال قول حسابي إتهاك " .
وكل هذا بخلاف التدوينة التي لفتت نظري لأن أقرأ بعض كتاباته وأتتبع منهجه فيها ، ولم أكن مهتماً بذلك ، والتي وصمنا فيها بالانحدار والتدني مستخدماً اللفظ الذي سقته فى بداية المقالة واعتذرت عنه لقارئي الكريم .. كل هذا مجرد قطرة من بحر تدويناته الساخرة والمستخفة بالآخرين .
ولا أستسيغ للأدباء والكتاب ولا لأصحاب الفكر ، حتى وإن شتمهم بعض المتعصبين أو المتعجلين من الإسلاميين على حساباتهم الشخصية ، لا أستطيع أن أجد مبرراً لصاحب قيمة أخلاقية أو ثقافية أو فكرية أن يشتم ويسخر بهذه الصورة الفجة ، لأنك تزعم أنك صاحب رأي وفكر ، فكيف تكون مقارعة الرأي والفكر بالشتيمة والإسفاف الذي يصل لحد شتمك أمهات لا تدري أهن صالحات أم غير ذلك وبشتيمة تلميحية أنت تعرف أن كثيراً من الأمهات عفيفاتٍ عن مثلها .
وللأسف فإن هذه هي حقيقة المنهج العلماني الليبرالي فى الكتابة ، والذي يعجزه سوق الحجة والبرهان ، فيذهب مذاهباً فى الاستخفاف من الآخرين والسخرية منهم ، ودائماً ما رأيت هذا تعبيراً أسوأً عن ضعف الحجة والبرهان لدى الشاتم .
يستوي فى ذلك السخرية أو الاستخفاف مع الشتيمة ، ولأشد ما عجبت من شتائم من يطلق عليه كاتب وأديب ، كيف للذوق والبلاغة والأدب أن يؤدوا إلى استسهال للشتيمة بهذا القدر !
أزعم أنها مدرسة أبدع فيها أحمد فؤاد نجم وتبعه فيها تلامذته من أمثال إبراهيم عيسى أو بلال فضله وغيرهم ، وهي عند ذوي الحس والأخلاق توصمهم وليست تزينهم وتبعدهم عن مصاف المبدعين ... هذا زعمي والله أعلى وأعلم .
وليس هذا خاصاً بنقدي للعلمانيين والليبراليين ، بل هو ممتد يشمل ما أستطيع أن أطلق عليه حالة " الهيجان والشتيمة " عند بعض من ينتسب إلى الإسلاميين ، ولطالما كتبت عن خطأ منهجهم وأشرت إلى روابط لمن انتقد منهجهم كالعلامة الشيخ محمد بن إسماعيل والشيخ أبى إسحاق الحويني وكلاهما من الرموز السلفية ، وتحدثت من قبل عن عظمة وذوق المنهج الإخواني حين يقول الإمام البنا : " نحن لا نجرح هيئات ولا أشخاص " .
والخلاصة فى هذه النقطة هي سهولة الاستعلاء عند العلمانيين والليبراليين مما يوقعهم فى انتقاص الآخرين والسخرية منهم والاستخفاف بهم ، وكلها نقاط أزعم أن كتابات بلال فضل وتدويناته تتسم بها .
المنهج الانتقائي
تعالى لخصيصة أخرى من خصائص المنهج العلماني فى الكتابة ، وهي الانتقائية ، وتظهر هنا جلية واضحة فى مقالة " بأي خلافة يحلمون " ، والتي تعد نموذجاً أروع فى الانتقائية عند الكتاب العلمانيين .
انظر إليه وهو يتحدث عن فهمه لدور الخلافة الذي نسب إليها مرجعيتها " عمارة الأرض " لينتقى لنا فهمه هو ، وهو جزء ولا شك من دور الخلافة الراشدة ، ثم يضرب أمثلة لفشل هذا المفهوم " الخلافة " لينتقى لنا من بين الكلام عن الحضارة والقيم فكرة حرق الكتب وإتلافها وكأن الخلافة هي حرق الكتب ، وكأن تأليف الكتب أو الكتابة دلالة الحضارة والرقي والتقدم . ولينتقى لنا أن الكتابة هي تعبير عن المشاريع الحضارية .
وليرينا ما تراه عينه من سلبيات لنظم وحقب تاريخية مرت على الأمة الإسلامية لينسبها إلى الخلافة التي نحلم بها .
وهي انتقائيات ظالمة متعسفة ، كالظلمات بعضها فوق بعض ، فأولاً : الخلافة التي نحلم بها هي التي وردت فى الحديث النبوي الشريف : " ثم تكون خلافة على منهاج النبوة " ، كل ما يرتبط بأقوال وأفعال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من قيم وأخلاق ودين وعبادة ومعاملات وسياسة واقتصاد هو والخلفاء الراشدين من بعده الذين هم أربعة ، ثم على مر العصور الإسلامية جاءت نماذج فردية فذة كعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، أو المشوه تاريخه عمداً لأنه كان زمن فتوحات هارون الرشيد رحمه الله .
وما عدا ذلك فلم يسمه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم من الأصل خلافة ، بل سماه ملكاً عاضاً ، وهو الذي بدأ ببداية التوريث منذ عهد معاوية كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ملكاً جبرياً ، والذي يجتهد العلماء فى نسبته إلى طرق وآليات الحكم فى هذا الزمان .
فالخلافة التي نحلم بها هي فى تلك النماذج الراشدة ... هذه أولاً ، ولو أخذت أسوق إليك منهج تلك الخلافة الراشدة فى السياسة وطرق الحكم وإنشاء الدواوين والاستفادة من الحضارات الأخرى والتي بدأت على يد عمر رضى الله عنه لما كفت المقالة ، ولكن عينا الكاتب الأديب بلال فضل لا ترى ذلك .
ولو أردت أن أسوق إليك روعة النظام القضائي الذى جعل من يهودي يقاضي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ويحكم القاضي لليهودي فى حادثة غير فردية لها أخوات كثر ، لما وفيت ، ولكن عينا الكاتب الأديب بلال فضل لا تبصر هذا .
ولو أردت أن أتحدث عن قيمة العدالة الاجتماعية والتراحم والتي تجعل أمير المؤمنين عمر يزوج ابنه من ابنة بائعة اللبن أو تجعله هو أو سابقه الصديق رضي الله عنهما يحملان على ظهورهما – وكلاهما الزعيم وكبير القوم – أجولة الدقيق لفقيرات فى ظلام الليل فى حوادث ووقائع لها ما يسبقها وما يخلفها لما أحصيتها ، ولكن قلم الكاتب الأديب بلال فضل لا يكتب هذا .
حتى إن عرجت على ما لم أطلق عليه خلافة إسلامية وعده الكاتب الأديب ضمن عصور محاربة الكتابة والإبداع لوجدت لك أسماءاً تدرس هي وعبقرياتها وحضارتها بأكاديميات أوروبا من أمثال ابن الهيثم وابن سينا والخوارزمي وأبو القاسم الزهراوي وغيرهم المئات فى مختلف فروع العلم والحضارة ، إلا أن الكاتب الأديب لا يرى لذلك أثراً .
والخلاصة أنك تنتقى من وظائف الخلافة ما هو مرتبط بما تسميه التقدم أو المشروع الحضاري وتغفل عن جوانبها الشاملة سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو مجال العبادة والمعاملات والأخلاق ، حتى الإطار الذى أردتنا أن نسير فيه وأطلقت عليه " عمارة الكون " ونسبته للحضارة وأنت محق فى جزء كبير من ذلك إلا أنك تنتقي منه ما له علاقة بظروف أو مواقف تاريخية معينة وتعزلها من سياقها لتثبت للجميع أن الحضارة الإسلامية ضد الفكر والإبداع ، وأنت تغفل قروناً من الحرية والإبداع والتفوق العلمي والعقلي والعملي والحضاري عاشتها الأمة الإسلامية حتى فيما أطلق عليه أنا مصداقاً للسنة النبوية المطهرة ملكاً عاضاً أو جبرياً وتنسبه أنت للخلافة التي نحلم بها فتنتقى بذلك مواقف بعينها أو إطاراً بعينه تحدثنا من خلاله عن الخلافة ، ثم تنتقى حقب تاريخية بعينها وتغفل غيرها لتصم الخلافة بالعجز والديكتاتورية والاستبداد .
نموذج بارز ، ومثال تجسيدي رائع للانتقائية فى الكتابة العلمانية ، من مجرد مقالة للكاتب الأديب ، وعليها فقس لو أردت القياس .
فرض فرضيات وهمية والبناء عليها
آخر ما يمكنني أن أتحدث عنه فى نقد كتابات الأديب بلال فضل كنموذج وتجسيد للكتابة العلمانية ، هو فرض الفرضيات وتقعيد القواعد وإطلاق النظريات بناءاً على أسس وهمية ، ليس لها أي أثر ولا دليل .
خذ على هذا مثالاً أو أمثلة :
فى مقدمة مقاله : " مولانا التيس " يقول : " يستميت أنصار تيارات الشعارات الإسلامية منذ وصولهم إلى الحكم فى إكساب قادتهم وشيوخهم حصانة ضد النقد اللاذع العنيف " .
طبعاً هذا الذى نسب إليه استماتة التيار الإسلامي فيه هو من باب التقعيد الذي يريد أن يجعله حقيقة بديهية ، لمجرد أن أدافع ضد من يسخر من قادتي ومشايخى أو أن أطلب منه الإنصاف وهو ينتقدهم ، أو أرد على شتيمته لهم وسخريته منهم بنقد هذه الشتيمة أو السخرية ، حينها أتحول إلى تلك القاعدة التي أراد أن يؤصلها وهي أنى أجعل لقادتي ومشايخى الحصانة ، وكأنه حلال على بلابله الدوح ، له أن يشتم وينتهك ويسخر ويسمى الرئيس بعبده العبيط أو عبده الغشيم أو يقول له : " يا مرسي إنك لضعيف " ، وليس لك أن تدافع عن مرسي لأنك حينها تجعل له حصانة ضد النقد .
تقعيد ، ثم استخفاف بعقل القارئ حتى يضمن أن تسير المقالة على الوتيرة التي أراد أن يمضى على نهجها .
فى نفس المقالة ، بل وفى ذات مقدمتها يضع نظرية أخرى ويفترض تحول الإسلاميين من الحديث عن سعة الصدر إلى تشجيع الحاكم على البطش بمعارضيه فيقول : " وبعد أن كانوا قبل وصولهم إلى الحكم يروون قصصا لاحصر لها عن سعة الصدر والحلم والتحمل والتصدق بالأعراض والإحتساب عند الله، أصبحوا فجأة لا يروون إلا المرويات التى تحض على ضرورة التأدب مع الكبراء والعلماء وتحذر من غضب الحليم وتدعو الحاكم إلى أن يكون قويا عنيفا مع معارضيه " .
متغافلاً أنه لكي يصل إلى هذه الحقيقة التي لا مراء فيها عنده ، فلابد أن يكون قد قرأ وشاهد وتفحص فى عشرات المقالات والأقوال والمواقف التي من الغريب أنك وأنت تعيش بين الإسلاميين لا تراها ، وإنما الذى تراه هو الدعاء لحاكم صالح أن يوفقه الله ، مع عشرات من النقد الداخلي لمواقف الرئيس أو لقادة الدعوة الإسلامية المباركة .
الشاهد والخلاصة : وأستطيع أن أعد لك عشرات التقعيدات فى حفنة مقالات كلها تقعيدات وهمية لم يصل لها بآلية بحثية علمية ، وإنما هي قعدة مصاطب أجلس فيها أمخمخ وأخرج بنظرية وهمية ، ثم أعود فأنضح بها على القارئ مستغفلاً إياه وسالكاً طرق الاستهبال العلماني السهلة حتى أثبت صحة ما أقول . ولتصبح كتابات الفاضل الأديب بلال فضل نموذجاً مثالياً على أخطاء الكتابة العلمانية ، وقانا الله شرها وسوءها ... آمين ...
وهو الجدير - سبحانه - بأن يقينا شرها ، وهو سبحانه العزيز القائل : " فأما الزبد فيذهب جفاءاً ، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض " ولله الحمد من قبل ومن بعد .
-------------

