بكر الغرباوي
لقد وقف العالم منبهرا إزاء الثورة المصرية المعلِّمة بوسائلها السلمية ونتائجها المذهلة للمصريين أنفسهم قبل غيرهم، فقد أعادت الثورة المجيدة للمصريين ثقتهم بأنفسهم وأعادوا اكتشاف ذواتهم، وأنهم قادرون على تغيير واقعهم المرير انطلاقا لبناء حاضرهم المعاش ومستقبلهم المنظور.
وكم كانت ثورتنا معلِّمة للعالم أجمع، إذ وقف زعماء كبرى الدول مندهشين واجمين أمام صنائع المصرين العظماء وما أفرزته ثورتهم من سقوط طاغية متفرعن وكان لسان حاله يقول :"أنا ربكم الأعلى". فجعله الله لمن خلفه من المتكبرين والظالمين آية ودالت دولة البغي والطغيان والتبعية والانبطاح كأنما كانت دولة من ورق، وكان فضل الله علينا عظيما.
وبعد كل هذه النتائج العظيمة لثورة يناير - التي كنا فيها ستارا لقدرة الله - لم يعد يغنينا التغني بمنجزاتها وننسى لوازم البناء والنهوض بأغلى الأوطان بعد معاول الهدم التي أتت على كل أركانه إلا نفسية الإنسان المصري الأصيل باني الأمجاد وصانع المعجزات.
آن لنا جميعا أن نتذكر مقولة إمام الدعاة شيخنا الشعراوي :"الثائر الحق هو من يثور على الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد" فمن المعلوم لدينا أن الهدم أيسر وأسرع من البناء وكيف ينهض الوطن إذا كانت أيادي البناء أقل عددا من أيادي الهدم والإفساد.
آن لنا جميعا أفرادا وجماعات أحزابا ومؤسسات أن نستنهض هممنا ونتناسى خلافاتنا ونجمع أمرنا ونلم شعثنا ونجتمع على كلمة سواء، نتعاون فيما اتفقنا فيه من مصالح وطننا الحبيب، فمساحة وأرضية المشترك الوطني واسعة يمكن أن تجمع المصريين باختلاف عقائدهم وأفكارهم، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وهي مساحات ضيقة لو أردنا أن تبقى في حدودها دونما تضخيم او تهويل.
ما أحوجنا إلى ثورة في النفوس الضعيفة المتقاعسة المثبطة، ثورة في الأخلاق الفاسدة والطبائع المعوجة والمكتسبات السيئة الموروثة من النظام البائد ، نحن محتاجون إلى العزائم القوية والنفوس الزكية والأيدي المتوضئة ، محتاجون للعمل الدؤوب والصبر الجميل.
نحن بحاجة إلى أن تصارح النخبة نفسها ، فأين هي من الشعب ، بل أين الشعب منها ؟!، وهل لها أن تكون قلب الشعب النابض ولسانه الصادق تعيش قضاياه وهمومه ؟ ، وأين المعارضة البناءة صاحبة الرؤية التي تعزز الإيجابيات وتساعد في البناء وترصد السلبيات ومواضع الضعف وتضع لذلك الحلول والمقترحات ؟؟!!
وأخيرا نحن في أمس الحاجة إلى إعلام مسؤول ، صادق الكلمة عف اللسان حسن المقصد يحترم عقولنا ويعترف بإرادتنا ، يحرص على بناء وطننا.
تعالوا قومنا إلى البناء؛ لنصنع مجد أوطنانا للعزة والرخاء "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة 105

