فضيحة إعلامية ... فهمي هويدي
الثلاثاء 20 يناير 2009 12:01 م
20/01/2008
هل يعقل أن تقاطع قنوات الإعلام المصري الرسمي والفضائية المصرية يوم التضامن العربي مع غزة؟! للأسف هذا حدث والتفاصيل نشرتها بعض الصحف صباح أمس، كاشفة عن فضيحة جديدة لإعلامنا الموجه الذي فقد الثقة والاحترام، وأصبح يدار وكأنه مكتب علاقات عامة تابع لولي الأمر وفي خدمته، ولا علاقة له بالبلد الذي يمثله ولا بالأمة التي يخاطبها.
خلاصة الحكاية أن اتفاقاً عقد بين اتحاد المنتجين العرب وبين مسئولي التليفزيون المصري علي تخصيص بث يوم الجمعة 15/1 ليكون يوماً للتضامن العربي مع غزة، وبمقتضي الاتفاق الذي أبرمه إبراهيم أبو ذكري - رئيس الاتحاد - فقد كان مقرراً أن يكون استوديو قناة النيل الإخبارية التابعة للتليفزيون المصري هو الاستوديو الرئيسي الذي تدار منه فعاليات البث الموحد، الذي اشتركت فيه 50 فضائية عربية. وبعد أن تم ترتيب الأمر علي هذا النحو فوجيء الجميع بتعليمات أصدرها السيد أنس الفقي - وزير الإعلام - قبل 48 ساعة من موعد البث، قضت بالتراجع عن الاتفاق، وعدم استخدام استوديو قناة النيل لإطلاق الحملة، ويبدو أن انعقاد قمة الدوحة رفع من درجة التوتر والحساسية لدي الأجهزة المصرية المعنية، فتقرر إخراج التليفزيون المصري من حملة التضامن مع غزة في هذا اليوم بالذات، الذي صدرت فيه التعليمات أيضاً بتجاهل قمة الدوحة، حطَّا من قدرها وإقلالاً من شأنها.
من المفارقات أن ذلك حدث في الوقت الذي أصبح فيه الإعلام المصري ينفخ يومياً في مظاهر تضامن الحكومة مع الشعب الفلسطيني في غزة، ويبالغ في ذلك حتي بات يتحدث عن أن معبر رفح مفتوح طوال الوقت أمام الأغذية والأدوية وحملات الإغاثة، وأن مستشفيات مصر فتحت للجرحي، وأن البلد يرحب بهم في حين أن حماس هي التي تمنعهم كما أن كبار المسئولين وقيادات العمل العام أصبحوا لا يعرفون النوم من شدة حرصهم علي أن يظلوا طوال الوقت إلي جانب الجرحي والمصابين الموزعين علي مختلف المستشفيات. وهي الحملة الإعلامية التي صدرت التعليمات بشنها للرد علي الانتقادات المتكررة التي وجهها للنظام المصري المتظاهرون في أنحاء العالم العربي وخارجه، بسبب اشتراكه في حصار القطاع بإغلاق معبر رفح ومنع حملات الإغاثة المقدمة من مختلف الجهات، واعتقال منظميها.
حسب الكلام المنشور، فإن أحد القيادات في وزارة الإعلام أجري اتصالاً لإيجاد بديل لقناة النيل، تم بموجبه ترشيح قناة دريم غير الرسمية لكي تستقبل فعاليات التضامن مع غزة، وبالفعل انطلقت الحملة من استوديوهات قناة «دريم» واستمر الإرسال منها مدة 12 ساعة متصلة، وحققت نجاحاً ملحوظاً، حيث تم جمع تبرعات من المشاهدين العرب بلغت نحو 500 مليون دولار، كما تم توفير 50 سيارة إسعاف في خمس ساعات.
ومن الطرائف التي حدثت أثناء البث أن بعض الضيوف حرصوا علي أن يؤكدوا أهمية دور مصر في التعامل مع القضية الفلسطينية، دون أن يلاحظوا أن وزير الإعلام المصري أصدر تعليماته بمقاطعة المناسبة.
إن السيد الفقي بقراره هذا لم ينتبه إلي أهمية ودلالة تبني التليفزيون المصري لحملة من هذا القبيل. تماماً كما لم يعر أي اهتمام لحق المشاهد المصري في أن يتابع ما يجري في قمة الدوحة. هو لم يفكر في ذلك، ولكن شاغله الوحيد كان إرضاء أولي الأمر وأولياء النعمة، والتعبير عن استيائهم وغضبهم، حتي إذا كان ذلك علي حساب دور يجب أن يقوم به الإعلام المصري في الحفاظ علي سمعة وقيمة مصر واحترام حق المشاهدين في المعرفة، وهو معذور في ذلك، لأنه لم يكتسب شرعيته أو يحتل مقعده من شيء قدَّمه في أي مجال، ولكنه اكتسب تلك الشرعية بقرار من ولي الأمر شمله فيه بالعطف والرضا، ومن الواضح أنه حريص إلي أبعد مدي علي شيء واحد هو أن يتواصل ذلك العطف وذلك الرضا بأي ثمن، لكي يستمر في مقعده الذي لم يحلم به.
الدستور