لم تعد أزمة الرياضة في مصر مجرد نتائج مخيبة في المحافل الدولية أو غياب خطط تطوير حقيقية، بل تحولت إلى فضائح علنية يتابعها الرأي العام يومًا بعد يوم. آخر هذه الأزمات انفجرت مع إعلان لاعبة منتخب مصر في الشطرنج شروق وفا، المصنفة كـ"غراند ماستر للنساء" منذ 2013 وصاحبة 20 ميدالية ذهبية وبطلة أفريقيا خمس مرات، اعتذارها عن تمثيل مصر، وبدء إجراءات الانضمام إلى منتخب أيرلندا. خطوة صادمة لكنها لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة سنوات من الإهمال والفساد وسوء المعاملة داخل اتحاد اللعبة الذي يترأسه لواء سابق، اختار أن يرد على شكاوى البطلة ببلاغ للنيابة بدلاً من حل أزماتها.

 

إنجازات لا تحمي أصحابها

شروق وفا، التي حققت أعلى تصنيف دولي لسيدة مصرية بـ2203 نقاط في يونيو 2025، لم تجد في بلدها ما يوازي إنجازاتها. بطلة أفريقيا أعوام 2013 و2014 و2016 و2019 و2025، ووجه مشرف للشطرنج العربي والأفريقي، وجدت نفسها في النهاية مضطرة لإعلان العصيان على الاتحاد، بعدما تحولت من بطلة إلى متهمة أمام لجان التحقيق.

 

من بوست غاضب إلى بلاغ للنيابة

الأزمة تفجرت حين كتبت شروق منشورًا على حسابها في فيسبوك كشفت فيه عن سلسلة "خطايا" اتحاد الشطرنج بحق اللاعبين:

  • إهمال كامل في تمويل المشاركات الدولية، لدرجة أن بعض الأبطال اضطروا للسفر على نفقتهم الخاصة.
  • تجاهل إقامة اللاعبين أثناء البطولات بالخارج، ما وضعهم في ظروف قاسية تؤثر على الأداء.
  • توجيه ميزانية الاتحاد إلى الشو الإعلامي والتنظيمي على حساب دعم الأبطال.
  • واقعة إصابتها بمرض في بطولة بنيجيريا تسببت في خسارتها، بينما الاتحاد رفض التكفل بعلاجها.
  • كما أشارت إلى أن الاتحاد لم يتورع عن التشهير بشقيقها حامد وفا بعد أن شارك في بطولة أفريقية على نفقته الخاصة، معتبرة أن ما يحدث "إهانة ممنهجة للأبطال".

 

 

اللواء مختار عمارة... الرد بالتشهير والبلاغات

بدلاً من الرد على هذه الاتهامات أو فتح تحقيق جدي، اختار اللواء مختار عمارة، رئيس اتحاد الشطرنج، أن يهاجم شروق وفا عبر تصريحات صحفية. قال إنها "خارج الحسابات الفنية لكبر سنها"، وإن أيرلندا لن تقبلها "لتراجع مستواها". وأضاف أن ما كتبته "كلمتين في الهوا" مدفوعة من شقيقها.

الأدهى أن مجلس إدارة الاتحاد قرر إيقاف البطلة والتقدم ببلاغ رسمي ضدها للنيابة بتهمة السب والقذف، وكأن الدفاع عن حقها في معاملة لائقة أصبح جريمة.

 

عسكرة الرياضة... السبب الجذري

هذه الأزمة ليست الأولى. كثير من الأبطال المصريين في ألعاب فردية ضاقوا ذرعًا بسوء الإدارة، الإهمال، والمحسوبيات، فاختاروا الهروب وتمثيل دول أخرى توفر لهم الدعم والاحترام. ظاهرة "عسكرة الرياضة" في مصر، حيث يتولى قيادات اتحادات وأندية لواءات سابقون بلا خبرة حقيقية، حوّلت الرياضة إلى إقطاعيات مغلقة تُدار بالولاءات لا بالكفاءة.

النتيجة واضحة: أبطال يحققون إنجازاتهم رغم الصعاب، لا بفضل دعم الدولة. وعندما يطالبون بحقوقهم، يُعاقبون بالتجاهل أو الاتهام أو حتى البلاغات القضائية.

 

 

وزير الرياضة... وعود بلا ضمانات

شروق وفا أكدت أن وزير الرياضة أشرف صبحي تواصل معها ووعد بحل الأزمة. لكن التجارب السابقة مع قضايا مشابهة تطرح تساؤلًا مشروعًا: هل سيتوقف الأمر عند وعود التهدئة، أم أن هناك إرادة حقيقية للتحقيق في الاتهامات الموجهة لرئيس الاتحاد ومحاسبته؟ وحتى الآن، لا توجد أي مؤشرات على محاسبة مختار عمارة أو مراجعة أداء الاتحاد.

 

لماذا تهرب الأبطال من مصر؟

قصة شروق وفا ليست معزولة، بل جزء من ظاهرة أوسع:

  • لاعبو كرة اليد والجودو وألعاب القوى هاجروا أو تجنسوا بجنسيات أخرى بسبب الإهمال.
  • أبطال رفع الأثقال عانوا من فضائح المنشطات وغياب الرقابة.
  • مواهب شابة في السباحة والجمباز غادرت طلبًا للدعم والاحتراف.

كل هذه الحالات تؤكد أن مصر لا تخسر فقط ميداليات، بل تخسر صورتها وكرامتها الرياضية بسبب إدارات عاجزة وفاسدة.

 

الخلاصة: من البطولات إلى البلاغات

تحولت أزمة شروق وفا إلى مرآة تكشف واقع الرياضة المصرية: أبطال يُهانون، اتحادات تُدار بالشللية والعسكرة، وحكومات تكتفي بالوعود. البطلة التي رفعت اسم مصر في المحافل الدولية تجد نفسها مطاردة ببلاغات النيابة بدل التكريم.

السؤال المطروح اليوم: هل سيتوقف نزيف المواهب وهروب الأبطال، أم أن مصر ستظل تُدار بمنطق “الولاء أهم من الكفاءة” حتى في الرياضة؟