لم يكن تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني عام 2020 حدثًا عابرًا أو مفاجئًا.
تقرير لصحيفة التايمز أوف إسرائيل يؤكد أن ما جرى لم يكن إلا تتويجًا لمسار طويل من التواطؤ والخيانة، يمتد منذ ستينيات القرن الماضي، حين تحولت الرباط إلى شريكٍ سري لتل أبيب في تهجير اليهود، والتآمر على اغتيال المعارضين، وبناء جدار الصحراء، وصولًا إلى التوقيع المذل على "اتفاقيات أبراهام".
تهجير اليهود: بيع المواطنين بالقطعة
في أوائل الستينيات، نفّذ النظام المغربي عملية تهجير سرية لمئات الآلاف من اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة.
لم يكن ذلك بدافع إنساني كما ادّعت السلطة، بل صفقة مشبوهة تقاضت فيها أموالًا مقابل تسليم أبنائها إلى الكيان الغاصب.
هكذا تحوّل المواطنون إلى سلعة، تباع وتشترى في أسواق السياسة، بينما كان الخطاب الرسمي يتغنى بشعارات العروبة والدفاع عن فلسطين.
اغتيال بن بركة: يد الموساد أداة لتصفية المعارضين
العار الأكبر يتمثل في الاستعانة بجهاز الموساد لتصفية المعارض البارز المهدي بن بركة، الذي اختُطف واغتيل في باريس عام 1965.
التقرير يؤكد أن إسرائيل زودت النظام المغربي بكل ما يلزم من دعم لوجستي لتصفية الرجل الذي كان يفضح الاستبداد أمام العالم.
إنها خيانة مضاعفة: خيانة للوطن أولًا حين يُستدعى جهاز أجنبي لقمع المعارضة، وخيانة للشعوب العربية ثانيًا حين يُكافأ الكيان الصهيوني على جرائمه بمزيد من التعاون.
جدار الصحراء: تحالف ضد حق تقرير المصير
في الثمانينيات، شاركت إسرائيل بدور فعّال في بناء جدار الصحراء الغربية، لتتحول من شريك في التهجير والاغتيال إلى شريك في قمع شعب بأكمله.
هذا الجدار ليس مجرد بناء عسكري، بل رمز لانخراط الكيان الصهيوني في قمع حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وتكريس الاحتلال بالقوة.
إنها خيانة ثالثة تُضاف إلى سجل طويل من السقوط.
عقود من العمالة السرية
لم تقتصر العلاقة على هذه المحطات، بل ظلت رباطًا وثيقًا في مجالات الأمن والاستخبارات.
من تسريب معلومات عن القمم العربية إلى المخابرات الإسرائيلية، إلى لعب أدوار الوسيط بين القاهرة وتل أبيب، كان المغرب بمثابة "حصان طروادة" في جسد الأمة العربية، يُسهّل اختراقها من الداخل.
كل ذلك كان يحدث في الخفاء، بينما كان الخطاب الرسمي يرفع رايات "المقاومة" و"الدفاع عن فلسطين".
التطبيع: إعلان الخيانة بلا أقنعة
ما جرى عام 2020 لم يكن تطبيعًا جديدًا، بل إعلانًا رسميًا لخيانة قديمة. "اتفاقيات أبراهام" لم تكن سوى لحظة كشف للأقنعة، حيث انتقل التعاون من السرية إلى العلن، وجرى استبدال القضية الفلسطينية بورقة الصحراء الغربية، في مساومة رخيصة لا تخدم سوى الاحتلالين: الإسرائيلي والصحراوي.
تحليل: التاريخ يفضح الحاضر
- خيانة الوطن: تهجير اليهود كان صفقة بيع علنية، أثبتت أن المواطن ليس أكثر من ورقة في يد السلطة.
- اغتيال المعارضين: التعاون مع الموساد لتصفية بن بركة دليل على عجز النظام عن مواجهة المعارضة بوسائله الداخلية.
- قمع الشعوب: الجدار في الصحراء رمز لتحالف عابر للحدود ضد حقوق الإنسان وتقرير المصير.
- الانبطاح المستمر: التطبيع الأخير هو حلقة مكشوفة في مسلسل طويل من العمالة.
وختاما فتقرير التايمز أوف إسرائيل لم يكشف جديدًا بقدر ما فضح المسكوت عنه: أن تاريخ العلاقات بين الرباط وتل أبيب ليس سوى تاريخ من الخيانة والتآمر على الشعوب.
من بيع اليهود، إلى قتل بن بركة، إلى سحق الصحراويين، وصولًا إلى طعن الفلسطينيين في الظهر. والنتيجة واحدة: سلطة تبحث عن بقائها بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو الكرامة الوطنية ودماء العرب.