بدأت حكومة الانقلاب المصرية تحت حكم عبد الفتاح السيسي تنفيذ مشروع توسعة ميناء العريش، الذي أُعلن عنه في عام 2021 كجزء من خطة التطوير ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

صدر القرار الجمهوري رقم 465 لسنة 2021 في أكتوبر بضم نحو 542 فدانًا من الأراضي حول الميناء للعمل من أجل "المنفعة العامة" ولكن على حساب إخلاء آلاف السكان.

وقد قدرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أن عدد السكان الذين سيتم تهجيرهم يبلغ حوالي 25 ألف نسمة، أي نحو 6000 أسرة، معظمهم من أصحاب المنازل والتجارة الصغيرة في الحي.

 

عمليات الهدم والتهجير..

في عام 2025، بدأت السلطات بتنفيذ المرحلتين الرابعة والخامسة من خطة توسعة الميناء، حيث تم هدم وإزالة 180 منزلًا على الأقل، وسط احتجاجات واسعة من الأهالي الذين هتفوا ضد ما وصفوه بـ"التهجير القسري" ورفض التعويضات التي يرونها غير عادلة ومجحفة.

ورافق عمليات الهدم اعتقالات وضغوط نفسية من قبل قوات الأمن، في مشهد مألوف من قمع المعارضة للمشاريع التنموية التي تطال السكان الأصليين.

 

الأسباب الحقيقية للتشريد..

يرى الأهالي والخبراء أن حكومة الانقلاب لم تدرس بدائل أخرى لتطوير الميناء، وأن المشروع يخدم مصالح اقتصادية ضخمة وتوسعات استثمارية خاصة بالقوات المسلحة، التي باتت المتحكم الأول في الأراضي المحيطة بالميناء.

يركز المشروع على تطوير ميناء العريش كبوابة لتصدير المواد الخام والمعادن بمليارات الجنيهات، مما أدى إلى طرد السكان الأصليين وإفقارهم.

ومن التفجيرات العالية في الميناء منذ عام 2014، وإلحاقه بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، برز احتقان شعبي متزايد من التهجير الذي يُقارن كما يصر الأهالي مع ما يتعرض له سكان غزة.

 

رفض وتساؤلات حول السيادة والحق في السكن

وصف أحمد سالم، مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، التهجير بأنه "عملية ابتلاع أراضي وهدم لمنازل المدنيين تحت مبررات جوفاء" محذرًا من تداعيات الأزمة على السكان وحقوق الإنسان.

بينما أقر محافظ شمال سيناء في لقاء إعلامي في منتصف 2025 بأن المشروع "قومي" وأن الإزالات ضرورية للمصلحة العامة، داعياً السكان للتعاون رغم رفضهم الصريح.

من جهة أخرى، رفع السكان استغاثات مستمرة عبر مقاطع فيديو وشهادات حية مناهضة للقرار، مطالبين بإيقاف الهدم والتهجير القسري، مؤكدين أن التعويضات المقدمة لا تعوض القيمة الحقيقية للأراضي أو المنازل.

 

حقائق وأرقام هامة

  • القرار الجمهوري لتوسيع منطقة الإخلاء من 371 فدانًا (قرار 2019) إلى 542 فدانًا عام 2021، زيادة بنسبة 46٪ على مساحات التهجير.
  • عدد السكان المتوقع تهجيرهم ما يقارب 25 ألف نسمة و6000 أسرة.
  • في 2025، تم تنفيذ هدم حوالي 180 منزلاً من أصل أكثر من 1000 منشأة في الحي.
  • تكاليف ومصالح توسعة الميناء تُدار بيد الجيش والهيئات الاقتصادية المرتبطة به دون رقابة حقيقية، مع تحالفات استثمارية إماراتية متزايدة تثير مخاوف من فقدان السيادة الاقتصادية الوطنية.

وعود تعويضٍ وسكنٍ بديل.. على الورق

القانون المصري (10 لسنة 1990) يلزم بإيداع تعويضٍ عادل وفق سعر السوق مضافاً إليه 20% على الأقل، ونشر مذكرةٍ تُفصّل المشروع وكلفة التعويضات خلال ستة أشهر من قرار نزع الملكية.

غير أن الغموض واختلاف تصريحات المسؤولين حول شروط الاستحقاق ومقادير الصرف، إضافةً إلى تأخر التنفيذ، فاقم قلق الأهالي. بعضهم يشير إلى أن وعود 2023 بصرف “مقدّم 20% من التعويضات” لم تُنفّذ كما قيل.

حرام عليكم بلاش تعرّوا سترنا”.. الاستغاثة التي كسرت الصمت

تزامناً مع عودة الإزالات، انتشر مقطعٌ لسيدةٍ من الحي تستغيث: “حرام عليكم بلاش تعرّوا سترنا”، شاركه ناشطون وصفحات محلية عبر فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، ليتحوّل إلى شعارٍ لرفض التهجير القسري في العريش.

هذه الاستغاثات وثّقت أيضاً شهاداتٍ عن ترمّلٍ ويُتمٍ ومساعٍ ذاتية لبناء بيت العمر، قبل أن تداهمهم قرارات الإخلاء.

ميزانيات التوسعة.. بلا شفافية وعدالة اجتماعية

على الضفة الأخرى، تكشف مصادر في “المنطقة الاقتصادية لقناة السويس” أن المرحلة الثانية من أعمال الميناء ستتجاوز 2.5 مليار جنيه (نحو 51 مليون دولار)، وبدأت منذ 21 يوليو 2025، رغم احتجاجات المتضررين.

السؤال الذي يطرحه الأهالي: لماذا تُرصد ميزانيات التوسعة سريعاً، بينما يُترك المتأثرون بلا بدائلٍ سكنية مضمونة وجدولٍ زمني مُعلن للصرف؟

بدائل ممكنة تجاهلتها الحكومة

خبراء ومسؤولون بحريون وفق شهاداتٍ وثقتها مؤسسة سيناء، اقترحوا خيار بناء ميناء جديد بعيداً عن الكتل السكنية غرب العريش أو الشيخ زويد، ربطاً بالطريق الصناعي إلى وسط سيناء، ما يُجنّب الدولة كلفة التعويضات ويؤمّن تخطيطاً معيارياً للطاقة التخزينية والتوسعات المستقبلية.

لكن هذه البدائل رُفضت أو أُهملت بلا حوارٍ مجتمعي حقيقي، في نمطٍ متكرر لمشروعات تُدار بيد الهيئات العسكرية وتُحال بالباطن لشركاتٍ مدنية بلا رقابة مستقلة.

منطق “التطوير” يغطي القمع

تجربة شمال سيناء خلال العقد الأخير تكشف نمطاً ثابتاً: تهجيرٌ قسري وهدمٌ واسع للمنازل تحت لافتة “مكافحة الإرهاب” أو “التطوير”، وصفته هيومن رايتس ووتش في 2021 بأنه يرتقي إلى جرائم حرب محتملة إذا تم خارج الضرورات العسكرية وبلا ضماناتٍ قانونية كافية.

واليوم، يعود المنطق ذاته إلى العريش، لكن هذه المرة باسم توسيع الميناء وخدمة “المصلحة العامة”، فيما تُجابه اعتراضات السكان بالاعتقالات والضغوط.

لماذا الآن؟ قراءة في الدوافع

توسعة الميناء تتقاطع مع حساباتٍ اقتصادية وسياسية: استخدام العريش كبوابة لوجستية (خاصةً مع حرب غزة وتدفّق المساعدات)، ومسعى النظام لإظهار تقدّمٍ استثماري سريع في سيناء بأي ثمنٍ اجتماعي.

لكن غياب الشفافية حول عقود التنفيذ، وخريطة الإزالات، ومواعيد التعويضات، يضع المشروع في خانة “المنفعة الخاصة” للمنظومة العسكرية الاقتصادية، أكثر منه مشروعاً تنموياً لسكان المدينة.

هذا ما تؤكده وثائق قرارات نزع الملكية وفكرة إسناد الإدارة والتمويل للمنطقة الاقتصادية مع احتفاظ الجيش بالفائدة الأولى.

 

روابط الاستغاثات والمصادر