يتعرض الدكتور رشاد محمد علي البيومي، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وأستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، لسياسة ممنهجة من الإهمال الطبي في سجونه، وهو الذي تجاوز التسعين من عمره، وأجرى عمليات قلب مفتوح، ويعاني من أمراض مزمنة، بينما يُترك في زنزانة انفرادية باردة محرومًا من الزيارة والعلاج، في مشهد يعكس قسوة غير مسبوقة في التعامل مع كبار السن والرموز الوطنية.

منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، شنّت أجهزة الأمن حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كان في مقدمتها الدكتور رشاد البيومي، الذي وُصف بأنه أول معتقل للانقلاب.
 

نداءات استغاثة دولية
في مطلع مارس 2021، أطلقت مؤسستا "عدالة لحقوق الإنسان" و"الشهاب لحقوق الإنسان" نداءً عاجلاً إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

النداء طالب بإلزام سلطات السيسي باحترام الحق في الحياة ووقف الانتهاكات الجسيمة ضد السجناء السياسيين، محذرًا على وجه التحديد من خطورة الإهمال الطبي الذي يواجهه الدكتور البيومي.

وقد تم تحويله لاحقًا إلى أحد المستشفيات الحكومية بعد تدهور حالته الصحية، لكن منظمات حقوقية أكدت أن هذا لا يرقى إلى الحد الأدنى من الرعاية الطبية اللازمة.

سنوات من التنكيل والإقصاء
ثماني سنوات قضاها أستاذ الجيولوجيا داخل سجن العقرب شديد الحراسة، سيئ السمعة، قبل أن يتم نقله إلى مجمع سجون بدر. خلال تلك الفترة تدهورت صحته بشكل كبير، وسط تخوفات من أن يلقى نفس مصير قادة الجماعة الذين رحلوا داخل المعتقلات، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد مرسي، ومرشد الجماعة الأسبق محمد مهدي عاكف.

 

البدايات.. من فلسطين إلى القنال

ولد رشاد البيومي في 8 يوليو 1935 بقرية الحريزات الغربية بمحافظة سوهاج. منذ نعومة أظافره ارتبط بقضايا الأمة، فتعرف على جماعة الإخوان في سن 13 عامًا، وتأثر بمشاهد المتطوعين المتجهين إلى فلسطين عام 1948.

شارك البيومي بنفسه في معركة القنال ضد الاحتلال البريطاني عام 1951، إلى جانب رموز من الإخوان السلمين، مثل محمد مهدي عاكف وحسن دوح وعبد الرحمن البنان، بعد أن ألغى مصطفى النحاس معاهدة 1936.

📺 مشاهدة: مقتطف وثائقي عن البيومي
https://www.youtube.com/watch?v=j7aMePwS3hQ

 

المحنة الأولى.. سنوات في سجون عبدالناصر

التحق البيومي بكلية العلوم جامعة القاهرة عام 1951، لكنه اعتُقل عام 1954 عقب حادثة المنشية، عُرفت تلك المرحلة في أدبيات الجماعة بـ"المحنة الأولى". قضى 18 عامًا متنقلاً بين سجون طرة والواحات وأسيوط والمحاريق. عن تلك التجربة يقول البيومي: "لقيت تعذيبًا لا يتحمله بشر".

خرج عام 1972 ليستكمل دراسته، وتخرج متفوقًا عام 1974. ثم حصل على الماجستير عام 1977 والدكتوراه عام 1980 بإشراف مشترك بين جامعتي القاهرة و"لندن أونتاريو" بكندا.

 

مسيرة علمية رائدة

سافر إلى الإمارات حيث أشرف على رسائل علمية عدة ونشر 12 بحثًا في جيولوجية المنطقة، ثم عاد إلى القاهرة ليتدرج أكاديميًا حتى أصبح أستاذًا متفرغًا عام 1995.

أشرف البيومي على 16 رسالة دكتوراه و14 رسالة ماجستير، وشارك في مؤتمرات دولية عدة، كما كان عضوًا في الجمعية الجيولوجية المصرية والجمعية الأميركية للجيولوجيا، وسافر في مهام بحثية إلى كندا وألمانيا.

📺 شاهد: كلمة مسجلة لبيومي
 

 

محطات الاعتقال المتكررة
لم تتوقف معاناته مع السجون عند عهد عبدالناصر، بل تجددت مع كل نظام، ففي عام 1996 اعتُقل على خلفية القضية العسكرية المعروفة بتأسيس "حزب الوسط"، ثم اعتقل أعوام 2002 و2006.
 

النشاط الدعوي والقيادة الإخوانية
شارك البيومي في تأسيس المركز الإسلامي بألمانيا رفقة المرشد العام مصطفى مشهور في الثمانينيات، وتولى مسؤولية قسم الطلبة في الجماعة عام 1989، ثم أصبح عضوًا في مكتب الإرشاد عام 1995. وفي 2010، عُين نائبًا للمرشد العام إلى جانب محمود عزت وخيرت الشاطر وجمعة أمين.
 

الموقف من ثورة يناير والعسكر
مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، شارك البيومي في الحراك الثوري، مؤكدًا أن القبول بالمجلس العسكري كان اضطرارًا لا خيارًا، لكنه شدد على أن الشعب المصري "لن يقبل بحكم عسكري إلى الأبد".
 

الشيخ الأسير في قبضة الإهمال
اليوم، وبعد 12 عامًا خلف القضبان، يقبع الدكتور رشاد البيومي في مستشفى سجن بدر، ورغم كونه أكبر معتقل سياسي في مصر، فإن السلطات لم تلتفت لعمره أو مكانته أو تاريخه العلمي.

الناشطون وصفوه بـ"عميد المعتقلين السياسيين"، ورمز الخلق والعلم والوطنية، فيما يرون أن ما يجري معه هو "إعدام بطيء بالإهمال الطبي".