ثمانية عقود ونيّف مضت من عمر الدكتور محمد بديع عبد المجيد سامي، ثامن مرشد عام لجماعة الإخوان المسلمين، وأحد أبرز أعلامها الفكرية والدعوية، الذي جمع بين ميدان العلم الأكاديمي في الطب البيطري وميدان التربية والدعوة الإسلامية.

وُصف بأنه "العالِم الثوري الصامد"، وصنّفته الموسوعة العلمية العربية عام 1999 ضمن قائمة أعظم مائة عالم عربي، غير أن نهايات مسيرته ارتبطت بأقبية السجون منذ انقلاب 30 يوليو 2013، الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الشهيد الدكتور محمد مرسي.
 

نشأة مبكرة وطريق العلم
وُلد د. بديع يوم 7 أغسطس 1943 بمدينة المحلة الكبرى، حيث كان والده يعمل في تجارة القطن، ومنذ نعومة أظفاره انجذب إلى حفظ القرآن الكريم وتشرّب أجواء التدين.

التحق بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة وتخرّج عام 1965، ثم عُيّن معيداً بجامعة أسيوط، ليكمل دراساته العليا ويحصل على الماجستير عام 1977 والدكتوراه عام 1979 في علم الأمراض من جامعة الزقازيق، ويترقّى في المناصب العلمية حتى أصبح أستاذاً ورئيساً لقسم الباثولوجيا بكلية طب بيطري بني سويف، ثم وكيلاً للكلية لشؤون الدراسات العليا.

لم يقتصر عطاؤه على مصر، بل أسس المعهد البيطري العالي في صنعاء – اليمن خلال فترة إعارته (1982-1986)، وأسّس المزرعة التعليمية الخاصة به، وترجم المناهج العلمية إلى اللغة العربية، كما تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الباثولوجيا والباثولوجيا الإكلينيكية على مستوى الجمهورية.
 

بداية العلاقة مع الإخوان
تعرف بديع في سن السادسة عشرة على أحد رموز الإخوان السوريين في مصر، الدكتور محمد سليمان النجار، الذي دعاه للانضمام إلى الجماعة، وفي العام ذاته بدأ حفظ الجزء الأخير من القرآن، قبل أن يتأثر بكتابات الشهيد سيد قطب وخاصة "في ظلال القرآن"، ليجد نفسه منخرطاً في مشروع دعوي إصلاحي شامل.

عام 1965، اعتُقل مع قطب وعدد من قيادات الجماعة في القضية الشهيرة بـ"تنظيم 65"، وصدر بحقه حكم بالسجن 15 عاماً، قضى منها 9 سنوات، ليذوق مرارة السجون في عهد عبد الناصر، ويخرج عام 1974 محمّلاً بتجربة أثّرت على شخصيته الدعوية.
 

أدوار تنظيمية وصعود إلى الإرشاد
تدرج الدكتور بديع في مراتب الجماعة حتى أصبح عضواً بمكتب الإرشاد عام 1993، ثم عضواً بمكتب الإرشاد العالمي عام 2007، وفي 16 يناير 2010 انتُخب مرشداً عاماً ثامناً، خلفاً للمرشد محمد مهدي عاكف، ليكون أول مرشد يُنتخب بينما سلفه على قيد الحياة، خلال عهده شهدت الجماعة تأسيس حزب الحرية والعدالة، الذي قادها إلى الفوز بأغلبية برلمانية وصولاً إلى انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية عام 2012.
 

بعد الانقلاب العسكري
عقب انقلاب 30 يوليو 2013، كان بديع في قلب الأحداث، حيث أعلن في اعتصام رابعة مقولته الشهيرة: "سلميتنا أقوى من الرصاص"، مؤكداً رفض الجماعة اللجوء إلى العنف، لم تمضِ أيام حتى اعتُقل في أغسطس 2013 قرب منطقة رابعة، ليبدأ فصلاً جديداً من مسيرته، خلف القضبان.
 

أحكام الإعدام والمؤبد
وُجهت له عشرات الاتهامات في قضايا وُصفت بالهزلية، منها "أحداث مكتب الإرشاد"، "غرفة عمليات رابعة"، "قطع طريق قليوب"، و"التخابر مع حماس". تراكمت الأحكام الصادرة بحقه لتصل إلى ستة أحكام مؤبد على الأقل، أي أكثر من 185 سنة سجناً، إضافة إلى عدة أحكام بالإعدام:

  • 24 مارس 2014: صدر بحقه حكم بالإعدام في قضية "غرفة عمليات رابعة".
  • 16 مايو 2015: أُحيلت أوراقه للمفتي في قضيتي "الهروب من وادي النطرون" و"التخابر مع حماس"، وحكم عليه بالإعدام في الأولى والمؤبد في الثانية.
  • 22 مايو 2023: أُحيلت أوراقه و7 من قادة الجماعة إلى المفتي في قضية "أحداث المنصة".
  • 4 مارس 2024: أصدرت المحكمة حكماً نهائياً بإعدامه في ذات القضية.
     

ظروف قاسية داخل السجن
بحسب شهادات أسرته وتقارير حقوقية، يعيش بديع في حبس انفرادي منذ سنوات طويلة، محروم من الزيارة والعلاج، ويتعرض لانتهاكات متكررة.
ابنته ضحى نشرت تدوينات مؤثرة تصف ما يعانيه من "قتل بطيء" بسبب الحرمان من الدواء والطعام الملائم، مشيرة إلى منعه من التواصل المباشر مع عائلته لأكثر من أربع سنوات.
 

عالِم وداعية لا سياسي
رغم ثِقله في قيادة الجماعة، يؤكد مقربون أن بديع ظل يعرّف بأنه داعية وعالِم قبل أن يكون سياسياً، فهو قلّما يتحدث دون أن يضمن حديثه آيات من القرآن أو أحاديث نبوية، ويرى أن كل الإجابات موجودة في النصوص الشرعية، حتى حين سُئل عن كرة القدم، أجاب بأن "الورد الرياضي أخو ورد التسبيح".
 

إرث ممتد
إلى جانب نشاطه الدعوي والعلمي، خلّف بديع إرثاً تربوياً واسعاً، حيث عُرف بزهده وتواضعه وقربه من قواعد الإخوان، مع التزامه الصارم بالسلمية رغم كل ما لاقى من محن، وقد ظلّت مقولته "سلميتنا أقوى من الرصاص" أيقونة تُردَّد في الميادين وبين أنصاره.