أثار القرار الجمهوري رقم 447 لسنة 2025، الصادر عن عبد الفتاح السيسي، جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والسياسية، بعدما تبيّن أنّ أبناء القضاة والمستشارين وأقاربهم استحوذوا على نسبة تقارب 34% من إجمالي التعيينات الجديدة بمجلس الدولة، وفقاً لوثائق رسمية مسرّبة.
القرار الذي شمل تعيين 207 من خريجي دفعتي 2020 و2021 من كليات الحقوق والشريعة والقانون، جاء استكمالاً لنمط طالما أثار انتقادات محلية ودولية، وهو ما يُعرف إعلامياً بـ"توريث القضاء"، حيث تذهب النسبة الأكبر من المناصب الحساسة إلى أبناء النخبة القضائية، على حساب أبناء الطبقات الوسطى والدنيا الذين قد يتمتعون بكفاءات أكاديمية متقدمة ولكن تُغلق الأبواب أمامهم.
أسماء بارزة تكشف "سلالات قضائية"
المستندات الرسمية كشفت أنّ القائمة ضمت أبناء وبنات قضاة بارزين ونواب لرؤساء مجلس الدولة وهيئات قضائية عليا. ففي دفعة 2020 – التي اقتصرت على 12 معيناً – برز اسم أحمد نجل المستشار عوض علي عوض الملهطاني نائب رئيس مجلس الدولة، وعلي نجل المستشار منصور محمد عبده منصور نائب رئيس هيئة قضايا الدولة.
أما دفعة 2021 فشهدت حضوراً أوسع، من بينهم:
- أماني نجلة المستشار يحيى مصطفى محجوب الحوفي نائب رئيس مجلس الدولة.
- محمد نجل المستشار أيمن عبدالحي قورة، الرئيس بمحكمة الاستئناف.
- فرح شقيقة المستشار زياد شريف عبد الستار محمد أبو زيد القاضي بمجلس الدولة.
- محمود نجل المستشار رشاد بدوي رشوان نائب رئيس مجلس الدولة، الذي سبقت له تعيينات أخرى لأبناء العائلة.
- نوران وأميرة ابنتا المستشار سامي رمضان درويش نائب رئيس مجلس الدولة، في سابقة مثيرة بتعيين شقيقتين في الدفعة ذاتها.
كما شمل القرار تعيين يوسف، نجل اللواء حسن عبد المنعم الفحيل، أحد قيادات الشرطة الذين أُبعدوا عقب ثورة يناير 2011 قبل أن يعود للخدمة لاحقاً بحكم قضائي، وهو ما اعتبره مراقبون رسالة سياسية تؤكد عودة نفوذ رموز الأجهزة الأمنية داخل مفاصل الدولة.
جدل متجدد حول "العدالة الاجتماعية"
القرار لم يمر مرور الكرام، إذ اعتبر حقوقيون أن النسبة المرتفعة من أبناء القضاة تعكس استمرار النهج القديم في توزيع المناصب، بما يرسخ فكرة "السلالات القضائية".
ورأى خبراء أن تكافؤ الفرص، المنصوص عليه دستورياً، يتعرض لتشويه متكرر عبر هذه التعيينات التي تجعل الوصول إلى القضاء حكراً على فئة بعينها.
وأشار ناشطون إلى أنّ بعض العائلات القضائية بات لها أكثر من فرد في دفعات متقاربة، ما يجعل المؤسسات القضائية تبدو وكأنها "نظام مغلق" لا يقبل سوى أبنائه، على غرار توريث المناصب في السياسة والاقتصاد.
خلفية تاريخية
ملف "توريث القضاء" ليس جديداً على المشهد المصري، إذ برز منذ مطلع الألفية الثالثة مع اتهامات متكررة للمؤسسات القضائية بإقصاء الكفاءات من خارج دوائر النخبة.
واشتعل الجدل عام 2015 مع أزمة تعيينات النيابة العامة والنيابة الإدارية، عندما تقدّم مئات الخريجين المتفوقين بطعون بعد استبعادهم لصالح أبناء القضاة.
ورغم تعهد الجهات الرسمية مراراً باعتماد معايير موضوعية، إلا أن كل دفعة جديدة تؤكد - بحسب مراقبين - أن الثقة العائلية لا تزال معياراً خفياً يحكم مسار التعيينات، في ظل غياب آليات شفافة للمنافسة.