ممدوح الولي

خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين سابقًا

 

كالعادة مر إعلان مرصد عالمي للجوع تابع للأمم المتحدة أن مدينة غزة والمناطق المحيطة بها تعانى رسميا من مجاعة، وأن 514 ألف شخص بها يعانون من الجوع، دون رد فعل مناسب من قبل الدول العربية والإسلامية، سوى نشر خبر التقرير الأممي في وسائل إعلامها، تماما مثل رد فعل تلك الدول العربية والغربية على استمرار  القصف اليومي لغزة واستشهاد عشرات الضحايا، وسقوط العديد من الضحايا يوميا خلال انتظار الطعام بمؤسسة غزة الإنسانية ، ووفاة مواطنين جدد نتيجة سوء التغذية.

وحتى لا نضيع الوقت في انتظار أي رد فعل عملي تجاه مسلسل القتل والتجويع، بينما تشتد معاناة سكان غزة يبقى التحرك الجماهيري هو الملاذ لتخفيف معاناة سكان غزة، فإسرائيل تنكر وجود مجاعة والنظام الأمريكي يتبنى الرواية الإسرائيلية، وبريطانيا تقول أن تقرير المرصد العالمي مروع للغاية دون اتخاذ خطوات عملية لوقف التجويع أو التخفيف منه، بل أنها مستمرة في نفس الوقت في اعتقال المناصرين للقضية الفلسطينية.

 وهاهي الأونروا تفضح الجميع حين تقول أن مخازنها بالأردن ومصر بها معونات تكفى لحمولة ستة آلاف شاحنة من الغذاء والدواء، ولكن إسرائيل تمنع دخولها، وبالطبع لا تمارس كلا من مصر والأردن أية ضغوط على إسرائيل لإدخالها.

 

الجميع يمنحون إسرائيل الوقت للإبادة

فدول الجوار العربي لغزة غارقة فى التواطؤ مع إسرائيل لمنحها المزيد من الوقت وتجريب طرق أخرى، أملا فى استسلام المقاومة أو استسلام سكان غزة فى ضوء طول فترة المعاناة طوال 23 شهرا، والدول الغربية كذلك تمنح إسرائيل المزيد من الوقت لقتل أكبر عدد من المسلمين فى غزة، سواء بالقصف أو التجويع أو منع الدواء والعلاج، لذا لم يعد لدينا سوى التحرك الشعبي سواء على المستوى الفردي أو الجماعي والمؤسسي، فإذا كانت  النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني مُحاصرة بالدول العربية، فإن تجمعات العرب والمسلمين بالخارج لديها هامش من الحركة يمكن توظيفه لتخفيف حدة الجوع.

ويبقى التذكير للأفراد أمرا مطلوبا من قبل خطباء المساجد والعلماء والمؤثرين ومواقع التواصل الاجتماعي، حول فضل إطعام الطعام فى الإسلام،  من خلال قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا * إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا} [سورة الإنسان: 8-11].

وقوله تعالى فى سورة البلد الآية 14  ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينًا).

وقوله عليه السلام: "خياركم من أطعم الطعام" وقوله صلى الله عليه وسلم :" أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" ، وما ورد بالحديث القدسي قوله   عليه الصلاة والسلام "يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي" ، وهكذا نصل الى نفى الإيمان عن المسلم الذى يعلم بمجاعة غزة دون أن يتخذ موقفا عمليا، من خلال قوله عليه الصلاة والسلام " ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".

 

الفاقد الغذائي العربي يكفي غزة 

فعندما يعلن المرصد الأممي المجاعة في غزة، من خلال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ، كمبادرة تشترك فيها 21 منظمة إغاثة ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إقليمية بتمويل من الإتحاد الأوربي وألمانيا وبريطانيا وكندا، فإن تصنيف منطقة أن بها مجاعة يتطلب أن يعانى 20 بالمائة من السكان على الأقل من نقص حاد بالغذاء، ومعاناة طفل من كل ثلاثة أطفال من سوء تغذية حادة، ويموت شخصين من كل عشرة آلاف شخص يوميا بسبب الجوع أو سوء التغذية أو المرض، مع الأخذ فى الاعتبار أن المرصد الأممي لم يستطع رصد حالة الجوع بشمال غزة لصعوبة دخوله إليها، وكذلك عدم دخوله رفح بالجنوب.

وها هى الكفارات تمثل أحد وسائل تقديم الطعام لأهل غزة من خلال كفارات اليمين والنذر والإيلاء: وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على التخيير بين تحرير رقبة مؤمنة أو صيام ثلاثة أيام متتابعات ، وكذلك كفارات الظهار ومن أفسد صومه بجماع فى نهار وهي إطعام ستين مسكينا على الترتيب: بعد تحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين .

ويدخل في ذلك زكاة الزروع والثمار والتي تبلغ نسبتها عشرة بالمائة من كميات المحاصيل، إذا كان يتم ريها  بالمياه بشكل ميسر، ونسبة خمسة بالمائة  من كميات المحاصيل إذا كان يتم ريها بوسائل غير ميسرة ، ويجب ألا نتذرع بإغلاق المعابر فهناك العديد من الوسائل لتوصيل المال الى داخل غزة لشراء الطعام الجماعي وتوزيعه على الأسر.

وربما لا يعلم الكثيرون حجم الفاقد من الطعام على موائد الأسر العربية والمسلمة ، وها هي بيانات حجم الفاقد الغذائي حسب جهاز الإحصاء الحكومي المصري خلال عام 2022 وحده، والتي بلغت 2.924 مليون طن من الحبوب موزعة ما بين: 1.316 مليون طن من القمح و1.401 مليون طن من الذرة الشامية، و131 ألف طن من الأرز و64 ألف طن من الذرة الرفيعة، و12 ألف طن من الشعير .

وفى أصناف الخضر بلغ الفاقد السنوي 1.618 مليون طن من الطماطم، و1.281 مليون طن من البطاطس  و395 ألف طن من الباذنجان، و376 ألف طن من الفلفل و367 ألف طن من البصل، و177 ألف طن من الخيار و113 ألف طن من الكوسة ومائة ألف طن من الجزر .

وفى الفاكهة بلغت كميات الفاقد المصري عام 2022 نحو 284 ألف طن من البرتقال، و 241 ألف طن من البلح و198 ألف طن من العنب، و135 ألف طن من التفاح و106 ألف طن من اليوسفي ، وبلغ فاقد اللبن 230 ألف طن وفاقد البيض 82 ألف طن وفاقد البقوليات 53 ألف طن، فما بالنا بكميات الفاقد الغذائي بدول الخليج وباقي الدول العربية والإسلامية.

ورغم أن الإسلام قد حضنا على التعاون مع أهل غزة المُحاصرين بالإبادة الجماعية والتجويع ومنع الدواء والوقود ومعدات الإغاثة، فى ضوء الحديث الشريف "مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " وقوله صلى الله عليه وسلم "من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته" وقوله الحاسم "لا يؤمن أحدكم جتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

إلا أن الواقع العملي يشير إلى أن تضحيات أهل غزة تمثل حائط صد وصمام أمان، يحول حاليا دون انتقال العدوان الإسرائيلي إلى باقي الدول العربية، في إطار مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ومن سوريا إلى السعودية، فنحن حين ندعم أهل غزة ومقاومتها الباسلة ندافع عن أمن بلادنا القومي ونعطل المطامع الإسرائيلية، وبما يعنى وجود منفعة عملية لسكان تلك الدول وغيرها من خلال استمرار صمود غزة.