في قلب محافظة المنيا بصعيد مصر، تعيش عزبة الصعايدة مأساة يومية منذ أكثر من خمس سنوات، حيث يعاني أهالي القرية من انقطاع مياه الشرب تمامًا، ما اضطرهم للاعتماد على آبار جوفية لا تصلح للاستخدام الآدمي.
أطفال ونساء ورجال يسيرون يوميًا لمسافات طويلة للحصول على جراكن ماء من مصادر بدائية، في وقت ترفع فيه الدولة شعار "حياة كريمة".
عزبة الصعايدة ليست حالة استثنائية، بل صورة مكثفة لعشرات بل مئات القرى المصرية التي تعيش في ظلام الإهمال وحرمان أبسط حقوقها الإنسانية، وهو الحق في الحصول على مياه نظيفة.
في ظل حكم عسكري يسيطر على موارد الدولة، يُترك المواطن البسيط فريسة للعطش والأمراض، في تناقض صارخ مع الدعاية الرسمية عن التنمية والعدالة الاجتماعية.
http://https://www.facebook.com/watch/?v=1288218712958008#
خمس سنوات من العطش والمعاناة
منذ ما يزيد عن نصف عقد، يواجه سكان عزبة الصعايدة أزمة مائية خانقة.
ورغم مناشداتهم المتكررة للجهات الرسمية، لم تصل شبكات المياه إلى بيوتهم.
الأهالي يؤكدون أن حياتهم اليومية تحولت إلى معركة من أجل "شربة ماء"، حيث يضطرون لحفر آبار سطحية غير مأمونة، ما يجعلهم عرضة للأمراض بسبب تلوث المياه.
أطفال القرية يتغيبون عن مدارسهم للمساعدة في جلب الماء، والنساء يحملن الجراكن الثقيلة لمسافات طويلة، في مشهد يختصر معنى الإهمال.
المفارقة أن المنطقة لا تبعد كثيرًا عن محطات مياه شرب رئيسية تغذي قرى أخرى، لكن عزبة الصعايدة بقيت خارج الخريطة الرسمية للخدمات، وكأنها غير موجودة.
نموذج يتكرر في قرى مصر
أزمة عزبة الصعايدة ليست استثناءً، بل تعكس مأساة متكررة في قرى مصر المحرومة.
تقارير حقوقية وإعلامية كشفت أن آلاف القرى ما زالت بلا مياه شرب نقية، رغم مليارات الجنيهات التي تُعلن الدولة عن إنفاقها في مشروعات البنية التحتية.
الواقع يقول إن "العطش" أصبح جزءًا من حياة الكثير من المصريين، خصوصًا في صعيد مصر والدلتا.
في ظل الحكم العسكري، تُوجه الموارد إلى مشروعات استعراضية ضخمة مثل العاصمة الإدارية أو الطرق الصحراوية، بينما تترك القرى غارقة في الأزمات الأساسية.
عزبة الصعايدة مثال حي على هذه المفارقة: دولة تدّعي بناء مستقبل متطور، لكنها عاجزة عن توفير أبسط مقومات الحياة لقرية صغيرة.
الأبعاد الصحية والاقتصادية للأزمة
الاعتماد على المياه الجوفية غير المعالجة ترك آثارًا كارثية على صحة السكان.
أطباء محليون أكدوا أن حالات الفشل الكلوي وحصوات الكلى ارتفعت بشكل ملحوظ في القرى المحرومة من المياه النظيفة.
النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا، إذ يعانون من أمراض الجهاز الهضمي والتسمم المتكرر بسبب شرب مياه غير مطابقة للمواصفات.
اقتصاديًا، يُنفق الأهالي جزءًا كبيرًا من دخلهم على شراء المياه المنقولة في "جراكن" من القرى المجاورة، في وقت يعانون فيه أصلًا من الفقر والبطالة.
بمعنى آخر، حرمان القرية من المياه لم يكن فقط مأساة صحية، بل قيدًا اقتصاديًا زاد من معاناة الأسر البسيطة، وحرمها من أي فرصة لتحسين حياتها.
الحكم العسكري وإهدار الحق في الحياة الكريمة
ما يجري في عزبة الصعايدة يفضح بوضوح أولويات الحكم العسكري في مصر.
فبينما تُصرف المليارات على التسليح والمشروعات الفاخرة، يُترك المواطن البسيط يواجه الموت عطشًا.
الحق في الحصول على مياه شرب آمنة مكفول في الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، لكن غياب الإرادة السياسية الحقيقية جعل هذا الحق مجرد حبر على ورق.
مأساة القرية تكشف كيف تحوّلت سياسات الدولة إلى أداة لإقصاء المهمشين، وتجاهل الصعيد والقرى الريفية.
إن استمرار هذه الأوضاع لا يهدد فقط صحة المواطنين، بل يعمّق الفجوة بين الدولة ومجتمعها، ويزرع إحساسًا بالظلم قد ينفجر في أي لحظة.