في واقعة مأساوية تختصر حال الفوضى والإهمال الذي يعيشه النظام الصحي في مصر، اندلع حريق مروع في مستشفى حلوان العام بالقاهرة بعدما أقدمت ممرضة على إشعال النار عمدًا داخل قسم العناية المركزة، بدافع خلاف شخصي مع مديرها.

الحادث الذي كاد أن يتحول إلى كارثة إنسانية لولا التدخل السريع لإجلاء المرضى، يكشف الوجه الحقيقي لفشل الحكومة في إدارة مؤسساتها الحيوية، ويطرح أسئلة خطيرة عن غياب الرقابة، وسوء إدارة المستشفيات الحكومية، وتراكم الضغوط على الأطقم الطبية في عهد عبد الفتاح السيسي.

 

تفاصيل

التحقيقات الرسمية أكدت أن الممرضة كانت تحمل ولاعة في يوم الحادث، وأشعلت النار في إحدى المراتب داخل غرفة العناية المركزة، ثم وقفت تراقب ألسنة اللهب قبل أن تغادر المكان.

ورغم محاولة السلطات الترويج لفكرة أن الحريق بدأ بماس كهربائي، إلا أن الاعترافات أوضحت الحقيقة الصادمة: الحريق كان متعمدًا ومكررًا، نتيجة احتقان نفسي وصراع إداري تحول إلى تهديد مباشر لأرواح المرضى.

 

لحظات من الذعر

النيران التي اشتعلت في الطابق الثالث من المستشفى تسببت في حالة رعب غير مسبوقة بين المرضى والطواقم الطبية. قوات الحماية المدنية دفعت بعدة سيارات إطفاء وفرضت كردونًا أمنيًا، بينما جرى إخلاء 16 مريضًا من غرفة العناية المركزة إلى مستشفيات مجاورة في سباق مع الزمن.

لحسن الحظ لم تقع خسائر بشرية مباشرة، لكن المشهد كشف هشاشة الإجراءات الأمنية في مستشفيات يفترض أنها خط الدفاع الأخير لحماية حياة الناس.

 

الوجه الآخر للقصة

ورغم هول الواقعة، إلا أنها تكشف عن أزمة أعمق من مجرد "خلاف شخصي" بين ممرضة ومديرها.

فالممرضات في مصر يعانين منذ سنوات من ظروف عمل شديدة القسوة:

  • ساعات طويلة تمتد أحيانًا إلى 12 ساعة يوميًا بأجور زهيدة لا تكفي لمواجهة تكاليف المعيشة.
  • نقص شديد في الكوادر، ما يضاعف الضغط على الموجودين بالفعل.
  • سوء معاملة من الإدارات الطبية التي غالبًا ما تتعامل معهن كموظفات من الدرجة الثانية.
  • غياب الدعم النفسي، رغم أن طبيعة عملهن تضعهن في مواجهة مستمرة مع الألم والوفاة والضغط العصبي.

كل هذه الظروف تجعل حالات الانفجار النفسي أمرًا واردًا، خاصة في بيئة يغيب عنها نظام رقابي فعال أو آليات لمعالجة الأزمات النفسية داخل الطواقم الطبية.

 

أزمة أعمق من حادث فردي

التركيز على معاقبة الممرضة وحدها هو محاولة مفضوحة من الحكومة للتغطية على فشلها المزمن في إصلاح القطاع الصحي.

الحقيقة أن الحادثة لم تكن لتحدث لولا:

  • سوء الإدارة وغياب الرقابة الداخلية في المستشفيات.
  • الإهمال المزمن في تجهيز أنظمة إنذار مبكر ضد الحرائق.
  • التوتر والضغط النفسي الهائل على الممرضات بسبب تدني الرواتب، وساعات العمل الطويلة، والمعاملة السيئة من الإدارات.
  • غياب آليات الدعم النفسي داخل مؤسسات الصحة، رغم طبيعة العمل القاسية.

إنها أزمة نظام بأكمله، لا مجرد خطأ فردي.

 

الحكومة التي تقمع بدل أن تعالج

المثير للسخرية أن الأجهزة الأمنية التي تتحرك بقوة غير مسبوقة لقمع أي مظاهرة أو اعتقال أي ناشط معارض، تبدو عاجزة عن توفير رقابة حقيقية داخل مستشفى حكومي في قلب القاهرة. هذه المفارقة تكشف الأولويات الحقيقية للنظام: قمع المعارضين بدلاً من حماية حياة المواطنين.

فبينما تُنفق المليارات على أجهزة المراقبة والقبض على الشباب في الشوارع، لا تُخصّص ميزانيات كافية لتأمين المستشفيات أو تحسين ظروف عمل الأطقم الطبية. النتيجة: كوارث متكررة، من حرائق المستشفيات إلى وفيات الأطفال في الحضّانات بسبب انقطاع الكهرباء أو نقص الأدوية.

 

انهيار النظام الصحي

إذا لم يتغير النهج، فإن السؤال لن يكون: "متى يتكرر الحادث؟" بل: "كم ضحية سيدفع الثمن في المرة القادمة؟".

  • واقعة مستشفى حلوان العام تأتي ضمن سلسلة من الكوارث التي كشفت هشاشة المنظومة الصحية في مصر:
  • حرائق سابقة اندلعت في مستشفيات حكومية نتيجة الإهمال.
  • نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في أقسام الطوارئ.
  • هجرة آلاف الأطباء للخارج بسبب الأجور المتدنية وسوء بيئة العمل.
  • تركيز الحكومة على بناء "عاصمة إدارية جديدة" وصروح خرسانية بدلاً من الاستثمار في الصحة.
  • هذه السياسات جعلت حياة المرضى مرهونة للصدفة، كما حدث في حلوان، حيث أنقذت العناية الإلهية عشرات المرضى من موت محقق.

 

ماذا بعد؟

الحادثة ليست مجرد خبر عابر في نشرة الحوادث، بل جرس إنذار مدوٍ بأن المنظومة الصحية في مصر تقف على حافة الانهيار الكامل. إذا كانت خلافات إدارية بسيطة قادرة على إشعال حريق في غرفة عناية مركزة، فماذا عن باقي المستشفيات التي تعاني من أزمات أعنف وأكثر تعقيدًا؟

المطلوب اليوم ليس فقط محاكمة الممرضة، بل محاكمة نظام كامل أهدر حقوق الأطباء والممرضات، ترك المستشفيات بلا حماية، وانشغل بمشروعات تجميلية بينما يموت المواطنون أو يتعرضون للفزع داخل مؤسسات يفترض أن توفر لهم الأمان.

وفي النهاية فإن حادثة مستشفى حلوان العام تكشف فشل الدولة في أبسط مهامها: حماية حياة الناس. النظام الذي يفاخر بإنجازات وهمية ويقمع كل صوت معارض، عاجز حتى عن منع ممرضة غاضبة من تهديد حياة مرضى في غرفة عناية مركزة. ما حدث ليس مجرد خطأ فردي، بل انعكاس مباشر لسياسات عبد الفتاح السيسي التي أهملت الصحة والتعليم لصالح القمع والديون والمشروعات الوهمية.