في مشهد جديد من مشاهد تفريط نظام الانقلاب المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي في أراضي البلاد لصالح استثمارات أجنبية لا تعود بالنفع الحقيقي على الشعب، تفجّرت مؤخرًا أزمة وادي يم في منطقة رأس الحكمة، حيث كشفت منصة "متصدقش" عن فجوة مهولة بين تعويضات الحكومة لأهالي المنطقة الذين تم تهجيرهم قسرًا، وأسعار الوحدات السكنية التي أعلنتها شركة "مدن العقارية" الإماراتية في مشروعها الفاخر، الفجوة لم تكن رمزية، بل وصلت في بعض الحالات إلى 140 ضعف تعويضات الحكومة.

 

تعويضات هزيلة.. من 2000 إلى 5000 جنيه للمتر

وفق ما تم تداوله من وثائق رسمية وشهادات أهالي، عرضت حكومة السيسي، التي لطالما اتُهمت بالتواطؤ مع مصالح الاحتلال والصهيونية العالمية، على سكان منطقة رأس الحكمة مبالغ هزيلة تتراوح بين 2000 و5000 جنيه للمتر المربع كتعويض عن أراضيهم ومنازلهم التي جرى نزع ملكيتها قسرًا تحت مسميات "التنمية" و"المصلحة العامة".

بالمقابل، بدأت الشركات الإماراتية – والتي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الدوائر الأمنية والعسكرية في مصر – بعرض وحدات سكنية في نفس الموقع بأسعار تبدأ من 160 ألف جنيه للمتر، وتصل في الفيلات إلى 280 ألف جنيه للمتر الواحد.

 

سعار الوحدات "الفاخرة": فجوة تبلغ 32 إلى 140 ضعف التعويض

تتجلى المفارقة والظلم الاجتماعي بوضوح في المقارنة بين ما حصل عليه المواطنون كتعويضات، وما تعرضه الشركة الإماراتية من أسعار للوحدات. أصغر شقة بمشروع «وادي يم» (99م²)، بلغ ثمنها المصرح به 15.9مليون جنيه، أي ما يعادل 160,600جنيه للمتر – أي 32 ضعف أغلى تعويض حكومي للمتر و80 ضعف أرخص تعويض.

أما الفيلات الفاخرة، فبيعت الواحدة منها، بمساحة تصل إلى 1,074م²، ضمن نطاق أسعار يتراوح بين 277 و324مليون جنيه (بمتوسط 280,000جنيه للمتر)، ما يصل بالفجوة إلى 56–140 ضعف سعر التعويض الحكومي.

نوع الوحدة

أقل سعر للمتر (جنيه)

أعلى سعر للمتر (جنيه)

نسبة الزيادة عن التعويض الحكومي (أقصى/أدنى)

شقة صغيرة (99م²)

160,000

160,600

32x – 80x

فيلا (1,074م²)

257,900

324,000

56x – 140x

 

لمن تباع مصر؟

هذا الفارق المهول ليس مجرد خلل اقتصادي، بل جريمة اجتماعية وسياسية، تكشف بوضوح أن حكومة الانقلاب لا تخدم الشعب المصري، بل تعمل كـ"سمسار أراضٍ" لصالح رؤوس الأموال الخليجية والشركات التي تربطها علاقات بالنظام العسكري الحاكم.

المواطن الذي شُرّد من منزله بأقل من 100 دولار للمتر، يرى اليوم نفس الأرض تُعرض بمبالغ تتجاوز 9000 دولار للمتر.

وفي حين تتحدث الحكومة عن "عائدات ضخمة من الاستثمار"، لا توجد شفافية في ما يتعلق بنسبة ما يعود منها فعليًا إلى الدولة المصرية أو إلى الشعب، مقابل ما يُحوّل إلى حسابات القوات المسلحة أو "صندوق مصر السيادي" الذي بات ذراعًا خفية للخصخصة والسيطرة على الأصول الوطنية.

 

التعاون العسكري الاقتصادي..

ليست هذه أول مرة يُتهم فيها السيسي بتفريطه في الأرض، سبق أن تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية عام 2016، في اتفاق أثار موجة غضب عارمة في الشارع المصري، واعتبره كثير من المراقبين تنازلًا يخدم إسرائيل بشكل غير مباشر عبر تسهيل التحكم في الملاحة في البحر الأحمر.

كما أن التعاون الاقتصادي مع الإمارات، الدولة التي تُعد من أبرز الداعمين للتطبيع مع إسرائيل، واحتضانها لمشاريع استثمارية كبرى في مناطق استراتيجية مثل رأس الحكمة وسيناء، يُعزز المخاوف من توريط الاقتصاد المصري في شبكات تابعة للاحتلال أو داعمة له بشكل غير مباشر.

 

ما العائد الحقيقي على مصر؟

في تصريحات مثيرة للجدل في فبراير 2024، أعلن رئيس وزراء الانقلاب المصري مصطفى مدبولي أن مشروع رأس الحكمة سيُدرُّ عوائد تصل إلى 35 مليار دولار، منها دفعة أولى من "مدن" بقيمة 24 مليار دولار.

لكن هذه الأرقام لم تُثبت فعليًا على الأرض، ولم تُرفق بخطط شفافة لتوزيع الأرباح، أو ضمانات بعدم تحويل هذه المشاريع إلى مناطق مغلقة للنخبة الأجنبية، دون استفادة حقيقية من المواطن المصري.

بل إن تقارير متعددة -منها تقرير البنك الدولي في مارس 2025- أشارت إلى أن معدلات الفقر ارتفعت في المناطق المحيطة برأس الحكمة بنسبة 11%، نتيجة التهجير وارتفاع الأسعار وفقدان فرص العمل المحلي.

 

التعويض للأغنياء.. والفقر لمن بقي

في وقت تُمنح فيه الشركات الإماراتية امتيازات ضريبية ضخمة وأراضٍ بتسهيلات غير مسبوقة، يعاني الشعب المصري من تضييق اقتصادي غير مسبوق:

  • تضاعف الدين الخارجي ليبلغ حوالي 170 مليار دولار في منتصف 2025.
  • وصل التضخم السنوي إلى 37% في يونيو الماضي، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
  • وفي ظل كل هذا، تُصرف المليارات على مشاريع استعراضية كالعاصمة الإدارية ورأس الحكمة، دون تحسين ملموس في معيشة المواطن.

 

صندوق مصر السيادي.. غموض وفساد وهيمنة عسكرية

يرى اقتصاديون أن مشاريع مثل رأس الحكمة لا تمر عبر البرلمان، ولا تخضع للرقابة، بل تُدار من خلال "صندوق مصر السيادي"، وهو كيان شبه مغلق يُسيطر عليه الجيش وتُدار من خلاله معظم صفقات التفريط في أصول الدولة.

وفي هذا السياق، كتب الخبير الاقتصادي د. عمر هاشم في مقاله بصحيفة "فاينانشيال أفريكا" في يوليو 2025 أن "صندوق مصر السيادي تحول إلى وسيلة لبيع أصول الدولة لأطراف أجنبية بصفقات لا يُعرف عنها إلا ما يُعلن إعلاميًا، دون أي رقابة من الشعب".

 

إلى متى يستمر الاستنزاف؟

ما يجري في رأس الحكمة ليس مجرد مشروع استثماري، بل نموذج على سياسة بيع الوطن تحت ستار "التنمية"، وتحويل أراضي المواطنين إلى مشروعات للأثرياء الخليجيين والمستثمرين الأجانب، بينما تُهمل حقوق أصحاب الأرض الأصليين.

هذا التفريط لا يمكن فصله عن نهج السيسي الأمني والاقتصادي، الذي يقوم على الرضا الخليجي والتنسيق الأمني الإقليمي، ولو على حساب الأرض والكرامة، فما دام المواطن لا يرى من هذه المشروعات إلا الإقصاء والفقر، فإن كل حديث عن التنمية مجرد قناع زائف لتجميل وجه نظام متورط حتى النخاع في التبعية والاستغلال.