في ظل حكم الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، أصدر مجلس وزراء الانقلاب المصري في 30 يوليو 2025 قراراً بزيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية لتصل إلى 150 ألف جنيه في حالات العجز الكلي أو الوفاة، وبين 30 و120 ألف جنيه عن حالات العجز الجزئي.

يأتي هذا القرار بينما يعاني القطاع الصحي من أزمات هجرة الكفاءات وضغوط اقتصادية خانقة، ووسط تساؤلات حادة حول جدوى القرار وتوقيته المتأخر.

وافق مجلس وزراء الانقلاب برئاسة مصطفى مدبولي، على رفع قيمة التعويض المخصص للطواقم الطبية المشمولين بصندوق مخاطر المهن الطبية، الذي أُنشئ بموجب القانون رقم 184 لسنة 2020. وبموجب التعديلات الأخيرة:

  • زادت قيمة تعويض حالات الوفاة أو العجز الكلي من 100,000 إلى 150,000 جنيه.
  • تعويضات العجز الجزئي أصبحت تتراوح بين 30,000 جنيه و120,000 جنيه، بعد أن كانت من 20,000 حتى 80,000 جنيه حسب نسبة الإصابة.

هذه الزيادة أُعلنت رسمياً بعد سنوات من مطالبات الأطقم الطبية برفع التعويضات، خاصة إثر توالي الوفيات والإصابات بينهم خلال موجات كورونا والأزمات المتكررة في المستشفيات المصرية.

 

لماذا تأخر القرار؟!

يشير مراقبون أن المشهد المصري في ظل القرارات الحكومية الحاسمة تعاني تأخراً كبيراً في عهد السيسي، بما فيها زيادات تعويضات مخاطر المهن الطبية، يرجعون ذلك لعدة أسباب:

  • المركزية الشديدة وتعلق كل الإجراءات بقرارات السيسي، الذي يحكم وحيداً أطياف السلطة المدنية والعسكرية، ويحدد تفاصيل التنفيذ حتى في أدق الأمور الفنية.
  • الخشية الدائمة من تكاليف الإنفاق الاجتماعي وبطء الاستجابة لأزمات العاملين في القطاعات الحيوية، خوفاً من تأثير ذلك على التحكم المالي في ضوء تصاعد الديون والعجز الحكومي، حيث تجاوز الدين الداخلي12.5 تريليون جنيه في 2024 وصعد الدين الخارجي إلى150 مليار دولار.
  • نماذج متكررة من بطء تشكيل المجالس والهيئات الحكومية ذات الطابع الحساس، ومنها "المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب"، الذي أعلن عنه السيسي في 2017 وتأخر تشكيله العملي لأشهر عديدة دون مبرر سوى التباطؤ السياسي وانعدام الشفافية في الأداء.

 

هل تكفي الزيادة لتحسين حياة الأطقم الطبية؟

على الرغم من إعلان حكومة الانقلاب رفع التعويضات الطبية بنسب كبيرة، إلا أن المعارضين يشككون في قدرة هذه الخطوة على معالجة الأزمة الحقيقية للطواقم الطبية، فعلى أرض الواقع:

  • مصر سجلت معدل تضخم سنوي بلغ أكثر من 26% في 2024.
  • الأجور الحقيقية للأطباء والممرضين لم تواكب الارتفاع الجنوني للأسعار: لتر بنزين 92 ارتفع من 2.6 جنيه عام 2013 إلى 17.25 جنيه، واسطوانة الغاز المنزلي من 8 جنيه إلى 200 جنيه.
  • تؤكد نقابة الأطباء زيادة معدلات الاستقالة والهجرة للخارج بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، حيث تضاعفت حالات الاستقالة أربعة مرات في الفترة من 2019 إلى 2023 بسبب تدني الأجور وزيادة المخاطر.
  • مع تصاعد الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، تظل أي زيادة في التعويضات صغيرة مقارنة بحجم التحديات المعيشية التي تواجه العاملين بالقطاع الطبي، فتكلفة السلع الأساسية والارتفاع المتلاحق في تكاليف النقل والخدمات الصحية يجعل من قيمة التعويضات أشبه بمسكن مؤقت أكثر منه حل جذري.

تعاطي سلطة الانقلاب مع أزمة الأطقم الطبية يظهر دائماً في شكل قرارات جزئية أو نتائج لمطالبات مزمنة، في كل مرة يتم رفع التعويضات أو إصدار بدلات "مخاطر" يُبرر القرار برغبة النظام في تعزيز "تقدير الدولة للأطباء"، لكن الواقع التنظيمي العميق يظل بعيداً عن أي إصلاح هيكلي:

  • يقول السيسي إنه "ليس سياسياً" ويكرر بشكل علني نيته حصر القرار بيده، رافضاً توصيات الخبراء الفنيين أو التشاور البرلماني.
  • العسكريون المقربون منه يدافعون عن بطء القرارات ويبررونها بـ"المصلحة العليا والاستقرار"، لكن التاريخ الحديث يكشف أن أغلب قرارات السلطة تأتي كرد فعل للضغط الشعبي أو الحوادث الكبيرة، لا في سياق استراتيجية واضحة لحماية الطواقم أو تطوير القطاع.
  • أصوات المعارضة ترى هذه الزيادات بمثابة "شراء صمت" وتسويف متعمد يُبقي النظام في منأى عن أي حلول حقيقية للأزمة.

 

دعم حقيقي أم مجرد شِعارات؟

في ظل تزايد القمع السياسي والتضييق على النقابات والأصوات الحرة، تبدو قرارات حكومة الانقلاب، مجرد محاولات لتهدئة سخط الشارع بدلاً من معالجة حقيقية لظروف الأطباء والتمريض، فتوسيع التعويضات المالية - رغم ضرورته - لا يحل مشكلات كسياسة هروب العقول، أو انهيار المنظومة الصحية تحت وطأة الديون وغلاء المعيشة والفساد المستشري في كل مستويات الإدارة.

 

هل خطوة التعويض خطوة إصلاح أم استمرار للأزمة؟

زيادة تعويضات المخاطر للأطقم الطبية خطوة متأخرة وناقصة لا تمتد إلى جذور أزمة الصحة في مصر تحت حكم السيسي.

القرار يعكس سياسة ردود الأفعال والتأجيل المعتادة، حيث يجتمع التأخير المزمن في الإجراءات مع انعدام الأثر الإيجابي الملموس وسط أزمة الغلاء والانهيار الاقتصادي.

تبقى أزمات الطواقم الطبية لن تُحل بالإجراء المالي وحده ما لم يتغير نهج الحكم العسكري الذي جعل من الانضباط الأمني أولوية، وأهمل الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الجذري.