في ترسيخ جديد لنهج السلطة القابضة في مصر منذ انقلاب 2013، أصدرت الحكومة مؤخرًا قرارًا رسميًا يقضي برفع العدادات الكهربائية القديمة واستبدالها بعدادات مسبقة الدفع، بداية من 1 أغسطس 2025.

القرار جاء مصحوبًا بفرض غرامة جديدة قدرها 7% من إجمالي قيمة الفاتورة على من يتخلف عن السداد، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات، التي تعتبرها خطوة جديدة تثبت تواطؤ النظام مع مصالح الاحتلال الاقتصادي الدولي وتغوّل السلطة على المواطنين.

قررت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بحكومة الانقلاب "تطبيق غرامات مالية بنسبة 7% من إجمالي قيمة الفاتورة، على المواطنين الذين لم يسددوا فاتورتي مايو ويونيو، خاصة ممن لا يزالون يستخدمون العدادات القديمة الميكانيكية"، ابتداءً من 1 أغسطس 2025.

القرار يمنح شركات الكهرباء الحق في سحب العداد القديم دون الرجوع للمالك، وتركيب عداد جديد مسبق الدفع، مع إجبار المشترك على دفع تكاليف العداد والغرامة والديون المتراكمة دفعة واحدة أو عبر تقسيطها على الفواتير المقبلة.

ووفق القرار فلن يكون هناك استثناءات إلا في حالتين: وجود خطأ فعلي من شركة الكهرباء أو ظروف قهرية مصدّقة تمنع السداد.

 

 حملة حكومية واسعة

حكومة الانقلاب تستهدف استبدال 4.5 مليون عداد قديم دفعة واحدة خلال أشهر قليلة، وتحديدًا مع بداية السنة المالية الجديدة، وذلك ضمن حملة شاملة لتحويل النظام الكهربائي المصري إلى العدادات مسبقة الدفع بالكامل.

ووفق التقرير الرسمي، فإن نسبة العدادات مسبقة الدفع وصلت بالفعل إلى 43% من إجمالي العدادات على مستوى الجمهورية، أي ما يعادل أكثر من 16 مليون عداد.

منذ عام 2016 وحتى الآن، تم تركيب نحو 9.8 مليون عداد مسبق الدفع، ما يظهر حجم التسارع في تنفيذ المشروع.

هذه القرارات تعتبر جزءًا من سياسات "القمع الاقتصادي" التي تمارسها حكومة عبد الفتاح السيسي منذ سيطرته على الحكم عقب انقلاب يوليو 2013.

إذ يرى كثيرون أن سياسة رفع الدعم التدريجي، وتكثيف الغرامات، هي تطبيق لمطالب صندوق النقد الدولي، وتتناغم مع الضغط على الطبقات الكادحة التي تتحمل الجزء الأكبر من كلفة التحديث والخطط الاستثمارية المُعلنة لصالح كبار المقاولين والمقربين من السلطة.

ابتداء من 1 أغسطس 2025، يتعرّض كل مستخدمي العدادات القديمة الذين تأخروا عن سداد فاتورة يوليو لعقوبة مالية تعادل 7% من إجمالي الفاتورة، يتم احتسابها بشكل تلقائي ودون حاجة لأي إنذار.

وإذا تكررت المخالفة لشهرين متتاليين (مايو ويونيو)، يتم سحب العداد القديم مباشرة وتركيب العداد الجديد المعروف بـ"أبو كارت"، الاستثناء الوحيد هو وجود خطأ بحساب الفاتورة أو ظروف قهرية رسمية فقط.

أصدر وزير الكهرباء تعليمات واضحة: "عدم السداد قبل نهاية شهر يوليو سيؤدي إلى سحب العداد القديم تلقائيًا دون الرجوع للمواطن"، مؤكدًا أن القرار نهائي وبلا استثناءات إلا في ظروف نادرة جدًا.

كما أشار متحدث الوزارة إلى أن "الإبقاء على العدادات القديمة يعطّل تطوير الخدمات ويزيد من مشاكل التحصيل".

هذا القرار يشكّل عبئًا جديدًا يُضاف إلى قائمة الأزمات المعيشية التي يواجهها المواطنون مع ارتفاع أسعار الكهرباء منذ أغسطس 2024، وامتداد الزيادات لتشمل جميع الشرائح (حتى 200 ك.و.س بسعر 95 قرشًا، من 201 إلى  350ك.و.س بسعر 155 قرشًا، حتى 650 ك.و.س بسعر 195 قرشًا).

 ويؤكد حقوقيون أن فرض غرامة الـ7% وسحب العدادات قسرًا يمثل شكلاً من أشكال "الابتزاز المالي" الذي يتستر خلف لافتة التحديث الرقمي.

 

انتقادات ومخاوف

يشكو مواطنون من ارتفاع عدد شكاوى العدادات الجديدة بسبب مشكلات في قراءة الاستهلاك، وصعوبة التحكم في النفقات الشهرية، وتكرار خصم الرصيد بشكل غير مبرر.

كما يشير منتقدون إلى عدم تشاوريه القرار مع الرأي العام أو ممثلي المجتمع المدني، ما يكرس سياسة فرض القرارات الجائرة دون مراعاة الأثر الاجتماعي الكارثي.

بقرار رفع العدادات القديمة وفرض الغرامات الأوتوماتيكية، تسعى حكومة الانقلاب لتعزيز سيطرة الدولة على مفاصل اقتصادات الأفراد، في خطوة تُضاف إلى سلسلة من السياسات التي تُفاقم من الأوضاع المعيشية، وتوسع دائرة القهر لدى الطبقات الدنيا والمتوسطة.

وفي القرار استمرارًا لتواطؤ النظام مع شروط الدائنين الدوليين، وابتعادًا كاملًا عن روح العدالة الاجتماعية التي ثار لأجلها المصريون في يناير 2011، قبل أن تدخل البلاد عصرًا جديدًا من التغوّل الذي لا يتوقف.