في الوقت الذي يعيش فيه المصريون صيفًا قاسيًا وارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، يتفاقم الغضب الشعبي بسبب الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي، والتي شملت جميع المحافظات تقريبًا دون استثناء. ومع تكرار الأزمة للعام الثاني على التوالي، تصاعدت أصوات المعارضة التي وصفت ما يحدث بـ"فشل ذريع في إدارة الدولة"، محملةً الحكومة والرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية ما وصفوه بـ"انهيار البنية التحتية للطاقة، رغم الوعود المتكررة بتحقيق فائض إنتاجي".

 

انقطاعات يومية ومعاناة متزايدة

في تصريحات لعدد من سكان القاهرة الكبرى ومحافظات الصعيد والدلتا، عبّر المواطنون عن استيائهم الشديد من تكرار انقطاع الكهرباء، والذي تجاوز في بعض المناطق أكثر من ثلاث مرات يوميًا، ولمدد تصل إلى ساعتين في كل مرة. وقال محمد عبد اللطيف، موظف من الجيزة: "الكهرباء بتقطع كل يوم ومفيش أي التزام بمواعيد. الأجهزة الكهربائية بتتحرق، والحر لا يُطاق، وكأن الدولة رفعت يدها عن المواطنين تمامًا".

أما في محافظة سوهاج، فوصفت فاطمة السيد، وهي معلمة، المشهد بـ"المأساوي"، مضيفة: "لدينا طلاب يستذكرون في الظلام، ومرضى يحتاجون للكهرباء في تشغيل الأجهزة الطبية، والحكومة تصدر بيانات غير مفهومة وكأننا نعيش في رفاهية".

 

الحكومة تبرر والمعارضة تهاجم

رغم تصريحات وزارة الكهرباء بأن الانقطاعات سببها "أعمال صيانة طارئة" و"عجز في الوقود المستخدم بمحطات التوليد نتيجة زيادة الأحمال"، يرى المعارضون أن هذه التبريرات واهية وغير منطقية، خصوصًا مع الحديث المتكرر من الحكومة في السنوات الماضية عن الاكتفاء الذاتي من الكهرباء ووجود "فائض للتصدير إلى دول الجوار".

وقال الدكتور عمرو حمزاوي، الأكاديمي والمعارض المقيم في الخارج، عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "أين ذهبت عشرات المليارات التي قيل إنها استُثمرت في قطاع الطاقة؟ لماذا يعاني المواطن البسيط بينما الكهرباء لا تنقطع عن القصور الرئاسية والمناطق المحمية؟".

وفي السياق ذاته، كتب الناشط السياسي هيثم أبو خليل: "الفساد وسوء التخطيط هما السبب الحقيقي وراء انقطاع الكهرباء. لا توجد أزمة طاقة حقيقية، بل أزمة في أمانة وإرادة من يحكم".

 

تصدير الكهرباء رغم الأزمة

من أكثر ما أثار غضب المعارضين والمواطنين هو ما تم تداوله مؤخرًا حول استمرار تصدير الكهرباء إلى دول مثل الأردن وليبيا والسودان، رغم العجز المحلي. وقال الصحفي المعارض عبد الله الشريف في مقطع فيديو على قناته بموقع يوتيوب:"الحكومة تقطع الكهرباء عن المواطنين لتوفير الكهرباء للتصدير، والهدف هو جلب دولارات تسد بها عجز الموازنة وسداد فوائد الديون، وليس لخدمة الشعب".

وهو ما أكدته أيضًا بعض التسريبات التي تداولها نشطاء، وتُظهر أن الحكومة طلبت من بعض المحطات "تقليل الأحمال المحلية للحفاظ على خط التصدير لدول معينة" لأسباب اقتصادية بحتة.

 

تسييس الأزمة: غضب شعبي وإحباط سياسي

لم يفت المعارضة أن تضع أزمة الكهرباء ضمن سلسلة "الإخفاقات المتراكمة" للنظام الحالي، بدءًا من الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة الجنيه، إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر. وكتب السياسي المعارض أيمن نور على صفحته: "إذا لم تستطع الدولة توفير الكهرباء في دولة دفعت أكثر من 800 مليار جنيه على مشاريع كبرى مثل العاصمة الإدارية، فهذه دولة عاجزة عن إدارة أبسط متطلبات الحياة".

ويرى مراقبون أن الأزمة باتت تُستخدم كوقود لتحريك الرأي العام، خاصة مع اقتراب انتخابات مجلس النواب وتصاعد المطالب بتغيير جذري في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ويقول الخبير السياسي المقيم في أوروبا، محمد محسوب: "هذا النظام لم يعد يملك شيئًا ليقدمه سوى المبررات. المواطن الآن يرى الانقطاع ليس كأزمة طاقة فقط، بل كرمز لانقطاع الدولة عن الشعب".

 

الجانب الإنساني: المستشفيات والمخابز تعاني

لم تتوقف المعاناة عند البيوت فقط، بل امتدت إلى المستشفيات والمخابز والمحال التجارية. وأفاد أحد الأطباء بمستشفى حكومي في المنيا أن الانقطاعات "تشكل خطرًا حقيقيًا على المرضى في أقسام العناية المركزة"، وقال: "المولدات لا تكفي، وبعضها لا يعمل بشكل سليم بسبب الإهمال".

كما أشار عامل في أحد المخابز إلى أن "تكرار انقطاع الكهرباء يؤثر على الإنتاج ويؤخر تسليم الخبز للمواطنين، في وقت أصبحت فيه الأسعار نارًا".

 

السخرية السوداء تجتاح مواقع التواصل

في مشهد يعبّر عن الغضب المكبوت، لجأ كثير من المصريين إلى السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تداولوا نكاتًا عن أن "الكهرباء أصبحت ضيفًا خفيفًا" و"ننام على نور ونصحى على ظلام".

وغرد حساب شهير باسم "جوكر المصريين": "تخيل لما تبقى الدولة بتصدر كهرباء للخارج والشعب بيمسح عرقه بشمعة!".

 

إلى أين تتجه الأزمة؟

وسط هذا الغليان الشعبي، لا يبدو أن الأزمة في طريقها للحل القريب، خاصة مع دخول شهر أغسطس، الأكثر حرارة في مصر، وغياب أي خريطة واضحة من الحكومة لحل المشكلة. ويطالب المعارضون بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمراجعة سياسات الطاقة، وإعادة توجيه الأولويات المالية نحو تحسين حياة المواطنين بدلًا من المشاريع "العقارية والسياسية الفاشلة".

وأخيرا  فإن انقطاع الكهرباء في مصر لم يعد مجرد عطل فني أو عجز عابر، بل أصبح بحسب المعارضين "علامة على فشل نظام بأكمله في إدارة الموارد وتحقيق العدالة الاجتماعية"، في حين يستمر المواطن البسيط في دفع الثمن، "مرة في الظلام، وأخرى على فواتير لم يحصل فيها على الخدمة أصلًا".