أفادت وكالة "بلومبيرج"، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن حكومة السيسي تسعى إلى شراء كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال، تتجاوز الاتفاقيات الحالية الممتدة حتى عام 2028، في محاولة لسد العجز المتنامي في الإمدادات المحلية، الناتج عن انخفاض الإنتاج وارتفاع الطلب الداخلي.
ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تقفز فاتورة واردات مصر من الغاز المسال والمنتجات البترولية إلى نحو 20 مليار دولار خلال عام 2025، مقارنة بـ 12.5 مليار دولار في 2024، وهو ما يفاقم الضغوط على ميزان الحساب الجاري ويهدد الاحتياطيات الأجنبية للبلاد. وتأتي هذه التطورات في وقت لا تزال القاهرة تحاول تجاوز التحديات التمويلية، رغم تلقيها حزمة دعم مالي بقيمة 57 مليار دولار العام الماضي.
أظهرت بيانات معهد الطاقة الإحصائي العالمي تراجعًا حادًا في إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ الإنتاج ذروته عقب عام 2015 مسجلًا نحو 70 مليار متر مكعب سنويًا، قبل أن ينخفض بوتيرة متسارعة ليصل إلى نحو 45 مليار متر مكعب في النصف الأول من عام 2025، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ عام 2016.
ويرجع هذا التراجع، وفقًا لمصادر في قطاع الطاقة نقلت عنها وكالة "بلومبيرج"، إلى ضعف الاستثمارات في أنشطة الاستكشاف والتطوير، إلى جانب تراجع إنتاج حقل "ظهر"، الذي يُعد الركيزة الأساسية للإنتاج المحلي.
كما كشفت بيانات "بلومبيرج" عن تحوّل الميزان الفصلي لصادرات الغاز الطبيعي المسال من الفائض إلى العجز ابتداءً من أواخر عام 2024، حيث اتسع العجز في 2025 ليصل إلى نحو 3 ملايين طن متري في بعض الفصول. ويعكس هذا التحول عجزًا فعليًا في الإمدادات، ما دفع الحكومة إلى تقليص كميات الغاز المخصصة لبعض القطاعات الصناعية، والاتجاه نحو السوق العالمية لتغطية الفجوة، من خلال إبرام عقود توريد فورية وأخرى طويلة الأجل.
اتفاقات مع قطر والسعودية
ذكرت وكالة "بلومبيرج" أن مصر وقّعت اتفاقات مع عدد من كبرى شركات الطاقة، من بينها "أرامكو" السعودية، و"ترافيغورا"، و"فيتول"، لتوريد نحو 290 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، تبدأ من يوليو 2025 وحتى نهاية عام 2028، في إطار مساعيها لتعويض النقص المتزايد في الإمدادات. وتواصل القاهرة، في الوقت نفسه، مفاوضاتها مع الجانب القطري بشأن إبرام عقود توريد طويلة الأجل.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن أسعار هذه العقود الجديدة تتجاوز بكثير الأسعار التفضيلية للغاز المستورد من إسرائيل، الذي لا تتجاوز تسعيرته 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ما يفرض أعباء إضافية على الموازنة العامة، في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع كلفة خدمة الدين وتراجع العائدات من قناة السويس نتيجة الاضطرابات في البحر الأحمر.
وفي هذا السياق، حذّر ريكاردو فابياني، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المؤقت في مجموعة الأزمات الدولية، من أن "عجز الغاز الطبيعي سيكون أحد أكبر التحديات التي تضغط على الحساب الجاري والسيولة الدولارية لمصر في السنوات المقبلة".
وتزداد تعقيدات المشهد مع تزايد الطلب المحلي على الكهرباء بفعل النمو السكاني المستمر واشتداد موجات الحر، ما أدى إلى ارتفاع استهلاك الطاقة، خاصة عبر أجهزة التكييف. ورغم أن الحكومة تمكنت مؤقتًا من تقليص انقطاعات الكهرباء عبر زيادة واردات الغاز، فإن هذا الخيار القصير الأجل يفاقم الأعباء المالية ويثير تساؤلات حول جدواه المستدامة.
وفي ظل هذه الضغوط، اضطرت مصر في عدة مناسبات إلى تقليص كميات الغاز المخصصة للصناعات، بما في ذلك مصانع الأسمدة، وهو ما أثار انتقادات رجال أعمال، أبرزهم نجيب ساويرس، الذي اعتبر في تصريحات تلفزيونية أن "الاعتماد على الغاز الإسرائيلي ينطوي على مخاطر، وأن تقليص الإمدادات عن مصانع الأسمدة ينعكس سلبًا على قطاعي الزراعة والصادرات".
التعافي لن يتحقق قبل 2030
وقال محللو وود ماكنزي إن استعادة الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغاز تتطلب استكشافات ضخمة وجولات حفر جديدة قد تستغرق من 4 إلى 6 سنوات على الأقل قبل أن تدخل حيز الإنتاج. وأشار المحلل مارتين ميرفي إلى أن مصر "ستحتاج إلى إبرام عقود طويلة الأجل في الوقت الحالي لتأمين الإمدادات، حتى وإن كانت بأسعار مرتفعة"، مؤكدا أن "خفض الكلفة يتطلب تثبيت الوضع كمستورد على المدى الطويل".
وتشير التقديرات الأولية إلى أن تأمين الطلب الداخلي من الإنتاج المحلي قد لا يتحقق قبل عام 2030، حتى مع تحقيق اكتشافات جديدة. وفي ظل الواقع الحالي، تبقى الواردات خيارا مفروضا، رغم كلفتها المرتفعة، وهو ما يعيد صياغة سياسة الطاقة المصرية على أساس "الاعتماد المرحلي على الاستيراد".
التعافي لن يتحقق قبل 2030
وقال محللو وود ماكنزي إن استعادة الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغاز تتطلب استكشافات ضخمة وجولات حفر جديدة قد تستغرق من 4 إلى 6 سنوات على الأقل قبل أن تدخل حيز الإنتاج. وأشار المحلل مارتين ميرفي إلى أن مصر "ستحتاج إلى إبرام عقود طويلة الأجل في الوقت الحالي لتأمين الإمدادات، حتى وإن كانت بأسعار مرتفعة"، مؤكدا أن "خفض الكلفة يتطلب تثبيت الوضع كمستورد على المدى الطويل".
وتشير التقديرات الأولية إلى أن تأمين الطلب الداخلي من الإنتاج المحلي قد لا يتحقق قبل عام 2030، حتى مع تحقيق اكتشافات جديدة. وفي ظل الواقع الحالي، تبقى الواردات خيارا مفروضا، رغم كلفتها المرتفعة، وهو ما يعيد صياغة سياسة الطاقة المصرية على أساس "الاعتماد المرحلي على الاستيراد".