شهدت محافظة الجيزة شمالي مصر خلال الساعات الماضية شللًا تامًا في الخدمات الأساسية، في مشهد يعكس انهيار المنظومة الخدمية وغياب الدولة عن مسؤولياتها. فقد تُرك ملايين المواطنين دون كهرباء أو مياه، من دون سابق إنذار أو تفسير رسمي، بل حتى من دون محاولة لطمأنتهم أو التواصل معهم.

ومنذ يوم السبت وحتى الأحد، غَرِقت مناطق واسعة من الجيزة في ظلام دامس، بالتزامن مع انقطاع شامل لمياه الشرب، طال أحياء مكتظة بالسكان مثل إمبابة، الهرم، العجوزة، فيصل، بولاق الدكرور، البدرشين، المنيب، وأوسيم، إضافة إلى أجزاء كبيرة من 6 أكتوبر والورّاق.

ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، عانى المواطنون وسط صمت مطبق من قبل الجهات الحكومية، سواء في وزارة الكهرباء والطاقة المتجدّدة أو وزارة الموارد المائية والريّ، وكذلك من قبل المعنيين في محافظة الجيزة.

وأفادت مصادر فنية مطّلعة بأنّ الأزمة تعود إلى عطل كبير في محطة كهرباء "جزيرة الدهب" الرئيسية، التي تغذّي أجزاءً واسعة من الجيزة. وقد أدّى هذا العطل إلى توقّف عدد من محطات المياه التي تعتمد على الكهرباء في تشغيل مضخّاتها، ليُفرَض على مناطق بأكملها بالتالي "حصار مزدوج" من العطش والظلام استمرّ نحو يوم كامل، وفقًا لـ "العربي الجديد".

يُذكر أنّ أرقام الطوارئ الخاصة بشركتَي الكهرباء والمياه ظلّت طوال مدّة الأزمة "خارج نطاق الخدمة"، بحسب ما أفاد مواطنون من مناطق عديدة،  الأمر الذي عمّق الإحساس العام بأنّ السكان تُركوا لمصيرهم بلا أدنى اعتبار.

في هذا الإطار، تعبّر المواطنة نوال محمد، من سكان حيّ الهرم في الجيزة، عن غضبها، وتقول لـ"العربي الجديد": "رحت أحاول التصرّف مع أولادي وسط الحرّ والعطش"، مع العلم أنّه "لم نعرف كيف ننام ولا كيف نطبخ ولا كيف نغسل. حتى المياه الباردة غير متوفّرة، والمشكلة أنّ مسؤولًا واحدًا لم يشرح لنا ما الذي حصل".

وفي إمبابة، تحدّث شهود عيان عن اندلاع حرائق في عدد من المحوّلات الكهربائية المتهالكة بفعل الأحمال الزائدة وارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي استدعى تدخّل الحماية المدنية. وتكرّرت الحوادث في مناطق متفرّقة من الجيزة فازداد الوضع تعقيدًا، لا سيّما مع توسّع رقعة المناطق المتضرّرة من جرّاء انقطاع التيار الكهربائي.

لجأ عدد كبير من سكان محافظة الجيزة إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم العارم واستيائهم الشديد مما وصفوه بـ"تخلٍ حكومي واضح" عن المواطنين، في ظلّ انقطاع شامل للكهرباء والمياه استمرّ لساعات طويلة، دون إنذار أو توضيح رسمي. وعبّر رواد هذه المواقع عن حيرتهم واستنكارهم للصمت الحكومي، متسائلين عن دور الجهات المختصة في التعامل مع أزمة بهذا الحجم، التي شلّت الحياة في عدد كبير من الأحياء الحيوية.

وأشار عدد من الناشطين إلى التناقض بين الخطاب الرسمي الذي يتفاخر بضخّ مليارات الجنيهات في مشروعات البنية التحتية، وبين الواقع الذي يكشف هشاشة هذه البنية وعدم قدرة الحكومة على إدارة حتى "عطل فني واحد"، فضلًا عن عجزها عن التواصل مع المواطنين لتفسير ما يجري أو تخفيف حدة الأزمة عليهم.

وفي السياق نفسه، قال المهندس أحمد مصطفى، المقيم في حي فيصل بالجيزة: "عندما تحدث أزمة بهذا الحجم في محطة كهرباء رئيسية، من الطبيعي أن يصدر بيان رسمي سريع، أو تُوضع خطة بديلة لتغذية المناطق بالكهرباء، أو على الأقل يتم التنسيق لنقل المياه لسدّ العجز مؤقتًا".

وتابع بأسى: "من غير المعقول أن نعيش هذا الانقطاع وكأننا في عزلة تامة، وكأنّ الدولة غير موجودة أصلًا".

من جهتهم، رأى محللون وخبراء أن ما جرى لا يُمكن اختزاله في مجرد انقطاع كهرباء أو مياه، بل هو تجسيد واضح لفشل مؤسسي أعمق، يتعلّق بسوء التخطيط وغياب آليات إدارة الأزمات، إلى جانب القصور الفادح في التواصل الحكومي، وغياب المساءلة الحقيقية للمسؤولين عن هذا التقصير.

ويحذّر هؤلاء من أن هذا النوع من الأزمات يفاقم من فقدان الثقة بين المواطن والدولة، خاصة في ظلّ أوضاع اقتصادية ومعيشية متدهورة، وضغوط يومية متصاعدة على الطبقة المتوسطة والفئات الأكثر احتياجًا.

وفي خضم هذا الغضب الشعبي، أصدرت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بيانًا رسميًا اليوم الأحد، حاولت فيه توضيح خلفية ما حدث. وذكرت الوزارة أن الشبكة الموحدة للكهرباء سجلت أمس السبت ارتفاعًا غير مسبوق في الأحمال الكهربائية، بلغ 800 ميغاوات في يوم واحد فقط، ليتجاوز إجمالي الأحمال حاجز 38.800 ميغاوات، وهو الرقم الأعلى في تاريخ الشبكة، مقارنة بأقصى الأحمال في العام الماضي والتي بلغت 38.000 ميغاوات فقط، بحسب المركز القومي للتحكم في الطاقة.

وأكدت الوزارة في بيانها أن الشبكة "نجحت في اجتياز اختبار حقيقي لم تواجه مثيلًا له من قبل"، واستطاعت التعامل مع الزيادة المفاجئة في الأحمال رغم ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى مستويات قياسية. وأشارت إلى أن الاستهلاك الكثيف وغير المعتاد في هذا التوقيت من العام كان أحد أسباب الضغط الكبير على الشبكة، ما أدى إلى الانقطاعات التي طالت محافظات ومناطق متعددة، وفي مقدمتها الجيزة.

ورغم هذا التوضيح الرسمي، يبقى الغضب الشعبي قائمًا، في ظل تكرار أزمات الخدمات الأساسية وغياب الشفافية، وهو ما يزيد من حدة التوتر المجتمعي في ظل ظروف معيشية واقتصادية تزداد صعوبة يومًا بعد يوم.