يتابع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي شخصيًا مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير النقل كامل الوزير تنفيذ مشروع خط السكة الحديد «العريش - طابا» بالإضافة إلى إنشاء ميناء طابا البحري واستكمال خط السكة الحديد بين «بئر العبد - العريش»، ضمن جهود رسمية معلنة لـ"تنمية شبه جزيرة سيناء".

هذا الحضور الرفيع المستوى يطرح تساؤلات حول سبب الاهتمام بهذا المشروع تحديدًا رغم افتقار المنطقة لخدمات أساسية كبنية تحتية للطاقة، المياه، والصحة، فضلاً عن استمرار اضطرابات أمنية متكررة في شمال سيناء منذ سنوات طويلة، وهنا وتظهر عدة تساؤلات جوهرية حول جدوى المشروع وأهدافه الحقيقية في ظل الواقع المؤلم لخدمات البنية التحتية في شبه جزيرة سيناء.

 

لمن يخدم المشروع فعلاً؟

رغم الترويج له كمشروع ينقل سيناء من عزلتها الاقتصادية إلى مركز لوجستي وتنموي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر خط يمتد نحو 500 كيلومتر يربط الفردان شرق بورسعيد مرورًا ببئر العبد والعريش وصولًا إلى طابا، إلا أن هذا الطموح يواجه انتقادات عدة.

يربط المشروع مناطق صناعية وتعدينية في وسط وشمال سيناء بشبكة السكك الحديدية الوطنية، ويفترض أن يسهل تصدير المنتجات من خلال مينائي العريش وطابا، لكن الفوارق الإجتماعية والتهميش المستمر لم يسقطا من حساب السياسات القائمة، إذ أن الفئات السيناوية المحلية لم ترَ بعد تطويرًا يذكر في الخدمات التعليمية أو الصحية أو حتى البنية التحتية الأساسية رغم وعود التنمية المتكررة.

 

تفاصيل ومراحل المشروع

أُعلن عن إعادة تأهيل وتطوير وإنشاء خط سكك حديد يربط الفردان وشرق بورسعيد مرورًا ببئر العبد والعريش حتى طابا بطول نحو 500 كيلومتر، حيث يبدأ تشغيل أول قطار تجريبي في خط الفردان – بئر العبد الذي يبلغ طوله 100 كيلومتر منذ أكتوبر 2024، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ خمسين عامًا في سيناء.

يشمل المشروع إنشاء وصلات فرعية تصل المصانع والتجمعات الصناعية بشبكة السكك الحديدية، ما يفترض أن يخلق محورًا لوجستيًا بين البحرين الأحمر والمتوسط، ومن المتوقع الانتهاء من التشغيل الكامل للمشروع في مايو 2026.

 

سيناء.. أرض منسية

رغم مرور أكثر من عقد على إطلاق "المشروع القومي لتنمية سيناء"، فإن الأوضاع على الأرض لا تعكس تنمية حقيقية، بل استمرار في التهميش.

السكان في شمال سيناء ما زالوا يفتقرون إلى مياه الشرب المستقرة، والرعاية الصحية، وفرص العمل. بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة الفقر في شمال سيناء بلغت نحو 41.9 % حتى عام 2023، بينما تعاني المستشفيات في العريش والشيخ زويد من نقص في الكوادر الطبية والتجهيزات.

فلماذا لم تحظَ هذه الملفات باهتمام مباشر من السيسي كما فعل مع مشروع السكك الحديدية؟ ولماذا يتم التركيز على مشاريع "استراتيجية" في مناطق حدودية دون ضمان تحسين حياة السكان المحليين؟

 

الواقع الأمني والإنساني في سيناء.. تعارض مع التنمية

في الوقت الذي تروج فيه حكومة الانقلاب لمشروع السكك الحديدية الضخم، يعاني سكان شمال سيناء من انتهاكات أمنية جسيمة منذ عام 2013، حيث تفرض قوات الأمن إجراءات قمعية، اعتقالات تعسفية، اختفاء قسري، وتعذيب، مصحوبة بعنف مستمر بين الجيش ومسلحي تنظيمات مرتبطة بـ"داعش".

هذا الوضع الأمني القاتم يعكس أن التنمية الموعودة لم تصل إلى تلك المجتمعات، بل على العكس، يعيش الأهالي في حالة من التهميش والفقر والعنف.

 

هل للمشروع علاقة بتل أبيب؟

لا يمكن النظر إلى مشروع العريش – طابا بعيدًا عن التطورات الجيوسياسية الإقليمية، وخاصة العلاقة المتنامية بين النظام المصري ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

فطابا، الواقعة على بعد خطوات من الحدود الإسرائيلية، يمكن أن تصبح محطة استراتيجية لنقل البضائع بين إسرائيل ودول الخليج عبر الأراضي المصرية، وهو ما أشار إليه تقرير لموقع "Middle East Eye"  في يناير 2025، والذي كشف عن مباحثات سرية بين مسؤولين مصريين وإسرائيليين حول إنشاء ممرات لوجستية بديلة لقناة السويس في حالة الحروب أو الأزمات.

ويعزز هذه الفرضية اللقاءات المتكررة بين السيسي ومسؤولين إسرائيليين خلال الشهور الأخيرة، كان أبرزها في فبراير 2025 عندما استقبل رئيس جهاز "الموساد" في القاهرة لمناقشة "ملفات أمنية واقتصادية مشتركة"، حسب ما ورد في جريدة "هآرتس".

كما أن هناك قلق من أن تتحول سيناء، بدلاً من أن تكون منطقة مواطنين منتفعين بتطوير حقيقي، إلى نقطة عبور لحركة بوادئ عسكرية أو تجارية تخدم مصالح دولية، ربما على حساب السكان المحليين.

 

هل المشروع فعلاً رد على مطالب التنمية؟

الادعاءات الرسمية التي تصف المشروع بأنه يسهم في دمج سيناء اقتصاديًا في الاقتصاد المصري، تواجه انتقادات كبيرة، حيث يرى كثيرون أن المشروع استراتيجي أكثر منه اجتماعي أو إنساني، وأنه يستهدف تحقيق مكاسب جيوسياسية وربما رد فعل على خطط إسرائيلية في المنطقة، كما أن الأهالي لا يزالون يعانون من نقص الخدمات الأساسية، وتعاقب أزمات غذائية وصحية مزمنة، وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: لمصلحة من يتم الإعلان عن هذا المشروع وماذا سيعود على سكان سيناء من فوائده الحقيقية؟

الفريق كامل الوزير، نائب رئيس حكومة الانقلاب ووزير النقل، صرح أن مشروع خط السكة الحديد سيربط المناطق الصناعية والتعدينية بشبكة السكك الحديدية الوطنية، مما يسهل تصدير المنتجات عبر مينائي العريش وطابا إلى الأسواق الخارجية، كما كرر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في عدة متابعة تنفيذية أهمية المشروع كمحرك تنموي يحقق التنمية الشاملة في شبه جزيرة سيناء.

لكن هذه التصريحات لم تصاحبها مؤشرات واضحة على تحسين الأوضاع المعيشية للسكان المحليين الذين يشكون من استمرار القمع والأوضاع الاقتصادية المتردية.

في المجمل، رغم الأرقام الكبيرة والإعلانات الرسمية التي تبرز حجم المشروع (خط بطول 500 كيلومتر وميناء بحري جديد)، يبقى الواقع على الأرض في سيناء مختلفًا: لا تنمية اجتماعية حقيقية، لا خدمات أساسية متكاملة، وصراع أمني مستمر.

لذلك، فإن متابعة السيسي لهذا المشروع تكاد تبدو محاولة لإظهار إنجازات كبرى على حساب أن يكون هناك اهتمام حقيقي بتحسين ظروف سكّان سيناء الذين هم الأكثر تهميشًا في مصر اليوم، ولا يُستبعد أن يكون للمشروع مردود جيوسياسي واقتصادي يخدم جهات ومصالح سياسية أكثر من خدمة السكان المحليين الذين لم يُعانوا أي تغير إيجابي ملموس حتى الآن.