أطلقت وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب المصرية مؤخرًا مبادرة جديدة تحت عنوان "ادرس في مصر"، تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للتعليم الجامعي وجذب المزيد من الطلاب الوافدين من الدول العربية والأفريقية والآسيوية.
تأتي هذه المبادرة في وقت حساس تواجه فيه منظومة التعليم العالي المصرية العديد من الانتقادات، وسط اتهامات بالفساد الإداري وغياب الجودة التعليمية.
فيما يلي نستعرض تفاصيل المبادرة، وتوقيتها، وخلفيتها، وأبرز ردود الأفعال، إلى جانب طرح التساؤل الأهم: هل يمكن لمبادرة كهذه أن تنجح في ظل الأزمات المتراكمة التي يعاني منها القطاع؟
مبادرة "ادرس في مصر".. الأهداف والتفاصيل
أعلن الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في مؤتمر صحفي عُقد بالقاهرة نهاية يونيو 2025، عن تدشين المرحلة الجديدة من مبادرة "ادرس في مصر"، والتي تستهدف جذب ما لا يقل عن 100 ألف طالب وافد سنويًا بحلول عام 2030، ووفقًا لما جاء في بيان الوزارة، تشمل المبادرة:
- إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتقديم الطلاب الأجانب في الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية.
- تسهيل إجراءات القبول والتأشيرات والإقامة.
- تقديم منح جزئية وكاملة للطلاب من بعض الدول الأفريقية والدول التي تعاني من أزمات سياسية.
- إطلاق برامج دراسية جديدة باللغة الإنجليزية في عدة تخصصات مطلوبة دوليًا مثل الهندسة والطب وإدارة الأعمال.
وبحسب الوزارة، فإن عدد الطلاب الوافدين في الجامعات المصرية حاليًا يبلغ نحو 94 ألف طالب، يمثلون 5% من إجمالي الطلاب الجامعيين، وتسعى الحكومة إلى رفع هذه النسبة إلى 15 % خلال خمس سنوات.
تفاصيل مبادرة "ادرس في مصر"
تعمل المبادرة على محورين رئيسيين: تسهيل إجراءات التقديم للطلاب الوافدين عبر منصة إلكترونية مميكنة بالكامل، والترويج للسياحة التعليمية في مصر من خلال التواصل مع المستشارين الثقافيين والمشاركة في المعارض التعليمية داخل وخارج مصر، بالإضافة إلى عقد لقاءات افتراضية مع المدارس الثانوية في الخارج.
وقد تم تطوير منصة "ادرس في مصر" لتصبح نقطة انطلاق إلكترونية موحدة تسمح للطلاب بالتقديم للالتحاق بأي من الجامعات المصرية، سواء كانت حكومية أو خاصة أو أهلية أو تكنولوجية، حيث تضم المنظومة 27 جامعة حكومية، و32 جامعة خاصة، و20 جامعة أهلية، و10 جامعات تكنولوجية، إلى جانب المعاهد العليا.
كما أطلقت الوزارة المبادرة المصرية للمنح الدراسية والسياحة التعليمية (EGY-AID) ، والتي ترتكز على سبعة مبادئ رئيسية تشمل: "الكل يتعلم سوياً"، "نحن نرعاك"، "العالم لدينا"، "أنت في بلدك الثاني"، "أنت متكامل"، "أنت مبتكر"، و"أنت سفير".
تهدف هذه المبادرة وفق المعطيات الرسمية إلى تعزيز الدعم الأكاديمي والإداري للطلاب الوافدين، وتوفير منح دراسية وتسهيلات في إجراءات الحصول على التأشيرات والإقامة.
مواعيد نتائج الدبلومات الفنية.. الضغط يتصاعد
بالتزامن مع إطلاق المبادرة، أعلنت وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب أيضًا عن مواعيد إعلان نتائج الدبلومات الفنية للعام الدراسي 2024-2025، لتكون في الفترة من 7 إلى 10 يوليو 2025، حسب تصريحات المتحدث الرسمي باسم الوزارة، الدكتور عادل عبدالغفار، ومن المتوقع أن يتقدم ما يزيد عن 750 ألف طالب وطالبة للتنسيق الجامعي بعد ظهور النتائج.
وربط مراقبون بين توقيت إعلان المبادرة ونتائج الدبلومات الفنية، معتبرين أن الوزارة تسعى إلى تغطية العجز في إقبال الطلاب المحليين على بعض الكليات عبر الوافدين، في ظل اتجاه كثير من الطلاب المصريين إلى التعليم الفني أو الجامعات الخاصة بسبب تدهور جودة التعليم الحكومي.
ردود فعل متباينة
تباينت ردود الأفعال حول المبادرة بين من اعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح لتحسين صورة التعليم المصري، ومن اعتبرها محاولة "تجميل فاشلة" لصورة متدهورة، وعلّق الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، في تصريحات صحفية قائلاً:
"لا يمكن جذب طلاب أجانب دون إصلاح جذري لمنظومة التعليم نفسها، لا جودة في البنية التحتية، ولا شفافية في التقييم، ولا احترام للبحث العلمي."
كما أشار تقرير صادر عن "المنتدى المصري للتنمية" في مايو 2025 إلى أن مصر تحتل المرتبة 135 عالميًا في مؤشر جودة التعليم العالي، ما يجعلها غير جاذبة فعليًا للطلاب الدوليين إلا لأسباب تتعلق برخص المصروفات أو اللغة العربية.
واقع الجامعات المصرية.. بنية تحتية متهالكة
رغم وجود بعض الجامعات التي تتمتع بسمعة جيدة مثل "القاهرة" و"عين شمس"، إلا أن غالبية المؤسسات التعليمية في مصر تعاني من تكدس الطلاب، نقص الأساتذة، تهالك المعامل، وضعف ميزانيات البحث العلمي.
وبلغ الإنفاق الحكومي على التعليم العالي لعام 2024 حوالي 78 مليار جنيه مصري فقط، ما يمثل نسبة أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تقل كثيرًا عن المتوسط العالمي.
وبينما تمضي حكومة الانقلاب في افتتاح جامعات أهلية جديدة مثل جامعة المنصورة الجديدة وجامعة برج العرب الأهلية، يتخوف البعض من أن يكون التركيز على جذب الطلاب الأجانب على حساب تطوير التعليم للمواطن المصري.
تسويق خارجي أم إصلاح داخلي؟
في ظل كل هذه المعطيات، يبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح مبادرة "ادرس في مصر" في تحقيق أهدافها؟ من الواضح أن جذب الطلاب الأجانب يتطلب أكثر من حملة تسويقية أو منصة إلكترونية، ويتطلب ذلك إصلاحًا جذريًا للمنظومة، تعزيز النزاهة، تحسين جودة التعليم، واستعادة ثقة المجتمع الأكاديمي الدولي.
فالمبادرات لا يمكن أن تنجح بينما يتصدر المشهد وزير تحوم حوله شبهات، ويعاني الطالب المحلي من تدهور في المستوى الأكاديمي، ويبحث عن مخرج من نظام تعليمي بات عاجزًا عن تلبية طموحاته.