حدث انفجار في كنيسة مار إلياس خلال القداس الصباحي، قتل 25 شخصًا وجرح العشرات. لم يكن الأمر مجرد خرق أمني مأساوي، بل رسالة سياسية مدروسة، تستهدف كسر الثقة بين الطوائف وزعزعة شرعية الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، القادم من خلفية فصائلية.
تصعيد خطير في نمط الهجمات الطائفية
تُعد هذه أول عملية إرهابية كبرى في العاصمة منذ سقوط نظام بشار الأسد، ويعكس اختيار الكنيسة كهدف رسالة مفادها: لا أحد في مأمن، لا المسيحيون، ولا العلويون، ولا الدروز الذين تعرّضوا لهجمات خلال الأسابيع الماضية. السلطات نسبت الهجوم إلى خلايا نائمة من داعش، لكن مراقبين شككوا في سرعة توجيه الاتهام، ملمحين إلى احتمال وجود تواطؤ داخلي أو اختراق للمنظومة الأمنية المفككة.
السلطات أعلنت أيضًا إحباط هجومين آخرين: أحدهما كان يستهدف مزار السيدة زينب، والآخر منطقة مدنية مزدحمة. وأكدت أن منفذ هجوم الكنيسة ليس سوريًا، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
الهجوم يثير مخاوف الأقليات
رغم بيانات التعاطف، أثار الهجوم موجة قلق عارمة، خاصة في أوساط المسيحيين الذين تضاءل عددهم بسبب الحرب والهجرة. شعور مماثل ظهر بين العلويين على الساحل، بعد أن تعرّضت قراهم لهجمات، والدروز في الجنوب الذين هاجمتهم جماعات إسلامية متطرفة. في دمشق، لا يشعر السنّة الحضريون أو العلمانيون في الأحياء المتنوعة بالأمان، فكل من يُعتبر "مرتدًا" أو "غير نقي" هو هدف محتمل.
أزمة أمنية بلا بديل واضح
الأجهزة الأمنية السابقة المرتبطة بالقمع اختفت، لكن لم يحلّ مكانها جهاز موحّد. المشهد الحالي يتكوّن من ميليشيات محلية، وقوات شرطة قليلة التدريب، ومسؤولين بلا خبرة، بعضهم من خلفيات دينية متشددة. في دمشق، الشرطة عادت جزئيًا، لكن قياداتها غير مؤهلة. الشرع أصدر بيانًا عامًا عبّر فيه عن الحزن ووعد بملاحقة الجناة، لكنه لم يذكر المسيحيين ولا الكنيسة المستهدفة، ما زاد شعور الطوائف بالتهميش.
وجود المقاتلين الأجانب يعمّق التوتر
المرحلة الانتقالية سمحت بدمج مقاتلين أجانب من الأويغور والشيشان وآسيا الوسطى ضمن قوات النظام الجديد. رغم عدم ثبوت صلتهم بالهجوم، إلا أن دمجهم بدون رقابة يثير مخاوف من فقدان السيطرة. وزارة الداخلية قالت إن قائد الخلية التي فجّرت الكنيسة مرتبط بمخيم الهول الذي يضم عناصر متطرفة.
خطاب ديني غائب وإصلاح غائب
اللافت أن وزارة الأوقاف لم تطلق أي خطاب توعوي يواجه موجة العنف الطائفي. لوحاتها في دمشق وحمص تروّج فقط لبرامج الحج، دون أي حديث عن التسامح أو الوحدة الوطنية. في ظل هذه الظروف، يصبح إصلاح الخطاب الديني ضروريًا لمكافحة التطرف وترسيخ التعددية.
الرهانات الدولية: ما بعد الشجب
الدول الكبرى أدانت الهجوم من الخليج وتركيا إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن الإدانة وحدها لا تكفي. التحدي الحقيقي أمام المجتمع الدولي هو كيفية دعم الاستقرار دون تقوية بنى قمعية أو فوضوية. واشنطن بدأت بالفعل إعادة النظر في سياستها تجاه سوريا، خاصة مع إعادة تعريف مهمتها لتشمل بناء المؤسسات والإصلاح الأمني، وليس فقط محاربة داعش.
تحذير استراتيجي للعالم
الهجوم على مار إلياس ليس مجرد حادث إرهابي، بل ناقوس خطر يُظهر أن الانتقال السياسي في سوريا هش، ويمكن تقويضه بضربة واحدة. دون أجهزة أمنية مهنية، وإدماج حقيقي للأقليات، وإصلاح ديني يعيد الثقة، ستبقى سوريا عرضة للتفكك والاقتتال. المطلوب دعم خارجي مشروط يحترم التعددية ويبتعد عن تكرار إرث النظام السابق.
الرسالة واضحة: سوريا لن تتعافى من جراحها القديمة إذا سقطت في فخ الرعب الجديد.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/dispatch-from-damascus-church-attack-shows-transitions-fragility/